الكاتب الصحفى عبدالناصر محمد يكتب : حكومة ” مدبولى ” .. لا تكذب ولكنها تتجمل !!

منذ أن صدر التقرير الصادم من البنك الدولى والذى حذر فيه من خطورة الديون الخارجية المستحقة على مصر والتى تقدر حاليا بنحو ١٦١ مليار دولار ، فضلا عن تأكيداته المتعلقة بأن هذه الديون تخطت كل الحدود الآمنة مما جعل البعض يردد أن مصر أصبحت على أعتاب الدخول فى نفق الإفلاس ، وكنت أتوقع أن ينتفض الدكتور مصطفى مدبولى رئيس مجلس الوزراء بوازع وطنى ويعلن وقف الإقتراض نهائيا والإتجاه الى الحل الوحيد والمتعلق بالإعتماد على الذات والإهتمام بالملف الزراعى والصناعى وأن يعلن صراحة وقف إستيراد كل السلع غير الرئيسية ووقف مظاهر البذخ والتبذير الحكومى ، إلا إنه راح يبحث عن حلول غير مجدية لاغيا فكرة الزراعة والتصنيع المحلى وزيادة الإنتاج وإزالة الألغام من طريق كل الكيانات الصناعية التى تعد طوق النجاة للخروج من تلك الأزمة الطاحنة.
قام مدبولى بعقد إجتماعا طارئا مع مسئولى المجموعة المالية وهم محافظ البنك المركزى ووزير المالية ووزيرة التخطيط والتنمية الإقتصادية والتعاون الدولى وعدد من مسئولى الجهات المعنية ، ومارس رئيس الوزراء هوايته فى إطلاق التصريحات الوردية حيث أكد أن الحكومة تضع خفض الدين العام الخارجى وتقليل أعباء خدمته هدفا أساسيا خلال المرحلة الراهنة.
وقال أيضا أن الحكومة تتبنى استراتيجية متكاملة لتعزيز الانضباط المالي وتحسين هيكل المديونية، بما يضمن توجيه موارد أكبر للقطاعات الخدمية مشيرا إلى أنه تم استعراض خطة الحكومة لحوكمة الدين الخارجي وتنظيم الاقتراض، من خلال وضع إطار عام للدين الخارجي يضمن تحركاته في الحدود الآمنة كنسبة من الناتج المحلي الاجمالى.
فى هذا الإجتماع قرر رئيس الوزراء أن الخطة تتضمن أيضًا إعادة هيكلة الديون الخارجية عبر مبادلة الديون مقابل الاستثمارات دون أن يوضح ما هى طبيعة تلك الإستثمارات خاصة وأن الحكومة إتجهت خلال السنوات الأخيرة إلى بيع الصروح الوطنية والأراضى تحت مسمى الإستثمار ، وفى حالة تفعيل هذا النوع الجديد الذى أخترعته للحكومة للإستثمار فإن الأمر يعنى وجود نية لدى الحكومة لمواصلة السير فى طريق التفريط فى الأصول والصروح الوطنية مثلما كان الحال فى العديد من الشركات الكبرى فى قطاعات الأدوية والأسمدة والكيماويات والحاويات والإتجاه نحو بيع الموانىء والمطارات تحت زعم أن ذلك إستثمار علما بأن الإستثمار برىء تماما من هذه التصرفات غير المسئولة ولم تكن مطلقا تلك أهدافه.
كما أكد رئيس الوزراء على أن نسبة الدين الخارجي إلى الناتج المحلي الإجمالي خلال هذه الفترة ظلت ضمن الحدود الآمنة، كما تم التأكيد على أن رصيد الدين لم يتخط السقف المحدد كنسبة من الناتج المحلي الإجمالى ، وهذا على ما يبدو نوع من التجمل حيث أن البنك الدولى لم يكن مخادعا أوكذابا بدليل أنه أى تصريحات حكومية تكشف زيفه ، حيث أنه أشار فى تقريره الرسمى الذى صدر مؤخرا إلى خطورة حجم أزمة الديون الخارجية على مصر مما يستوجب مراجعة الأوضاع والسياسات"، و"وقف مغامرة المجازفة بالمستقبل"، محذرا من الانزلاق نحو كارثة أكبر مستقبلا.
وقال البنك الدولى أن الاقتصاد المصري يمر بمرحلة تُعد الأصعب في تاريخه الحديث ، في ظل بنية اقتصادية ضعيفة وأزمات هيكلية متراكمة واختلالات عميقة ، تفاقمت مع اعتماد الحكومة على التوسع في الاقتراض الخارجي من صندوق النقد والبنك الدوليين ، ودول الاتحاد الأوروبي، والصين، وروسيا، ودول الخليج، وهو ما أسفر عن أعباء خدمة أو فائدة دين تستنزف الموازنة العامة وتضاعف الضغوط المعيشية على المواطنين البالغ عددهم نحو ١٠٨ ملايين نسمة مؤكدا أن هذه المؤشرات تؤكد أن أزمة الديون الخارجية على مصر تخطت الحدود الآمنة ، وهذا يتعارض مع زعمه رئيس الوزراء الذى دائما ما يستشهد بآراء مثل هذه الجهات والمؤسسات المالية العالمية وبخاصة البنك الدولى ويعتبرها شهادة نجاح لأداء الحكومة.
ولاشك أن الحسابات الإقتصادية تؤكد أنه لكى نخرج من النفق المظلم للديون لابد من التوقف تماما من سياسة السفه التى تتبعها هذه الحكومة والإعتماد على حركة دوران الماكينات فى المصانع الوطنية وعدم التفريط فى أى صرح صناعى بل العمل على تطويره وزيادة خطوط إنتاجه وتحقيق الأمل المنشود فى زيادة حجم الإنتاج المحلى ، فالصناعة هى الحل إن كنتم لا تعلمون.

