بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

النائب أحمد قورة يكتب: الاستيطان الاسرائيلى جريمة برعاية أمريكية وصمت دولي

أحمد قورة
-

لم يعد الاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية جريمة خفية أو تجاوزًا عابرًا، بل صار مشروعًا استعماريًا معلنًا، يُدار بعقلية الاحتلال، ويُنفذ تحت مظلة الحماية الأمريكية الكاملة، ووسط صمت دولي مخزٍ، وعجز أوروبي فاضح، وتراجع عربي مؤلم… باستثناء مصر.

إسرائيل لا تبني مستوطنات فحسب، بل تهدم فكرة السلام من جذورها، وتنسف حل الدولتين، وتفرض واقعًا بالقوة، غير عابئة بقرارات مجلس الأمن أو القانون الدولي. والأخطر أن واشنطن لا تكتفي بالصمت، بل تمنح الاحتلال الغطاء السياسي والعسكري، وتستخدم الفيتو كسلاح لإعدام أي محاولة للمحاسبة، لتتحول من وسيط مزعوم إلى شريك أصيل في الجريمة.

أما أوروبا، التي تتغنى بحقوق الإنسان، فقد سقطت في مستنقع ازدواجية المعايير؛ بيانات قلق لا توقف جرافة، ولا تحمي طفلًا، ولا تمنع رصاصة. مجتمع دولي مشلول، يملك القرارات ولا يملك الإرادة، يطبق القانون على الضعفاء، ويتجاهله حين يكون الجاني هو إسرائيل.

والأشد قسوة هو المشهد العربي الحالي، حيث غابت النخوة، وتراجعت المواقف، وتقدمت الحسابات الضيقة، بينما تُلتهم الأرض الفلسطينية قطعة قطعة. وهنا يفرض السؤال نفسه: أين المواقف العربية التي عرفناها في حرب أكتوبر المجيدة؟

في أكتوبر 1973 لم تكن المعركة مصرية فقط، بل كانت معركة أمة. يومها فهم العرب أن الكرامة لا تتجزأ، وأن تحرير الأرض مسؤولية جماعية. النفط كان سلاحًا، والموقف كان قرارًا، والصوت العربي كان واحدًا. اهتز العالم عندما قال العرب “لا”، وتبدلت المعادلات حين تحركت الإرادة.

كانت أم كلثوم تُغني للمعركة لا للترف، وتلهب الوجدان بصدق الكلمة وقوة الموقف- وهى تقول وقف الخلق ينظرون جميعا كيف أبني قواعد المجد وحدي

وبناة الأهرام في سالف الدهر كفوني الكلام عند التحدي،أنا تاج العلاء في مفرق الشرق ودراته فرائد عقدي، كم بغت دولة علي وجارت ثم زالت وتلك عقبى التعدي،إنني حرة كسرت قيودي رغم أنف العدا وقطعت قيدي، لم تكن أغنيات، بل شحنًا للروح، وتعبيرًا عن أمة تعرف طريقها، واليوم، بينما فلسطين تنزف، وغزة تُحاصر، والضفة تُبتلع، نسمع صرخة تختصر المأساة.

اين أنتم ياعرب من أغنية الفنان التونسي لطفي بوشناق الرائعة " خذوا المناصب والمكاسب ،أنا حلمي كلمة واحده أن يظل عندي وطن، لا حروب ولا خراب لا مصايب ،لا محن، خذوا المناصب والمكاسب،لكن خلّولي الوطن، يشهد الله والزمن، أنا حلمي كلمة واحدة، أن يظل عندي وطن”، أغنية الفنان التونسي لطفي بوشناق صرخة في وجه من قدّم الكرسي على القضية، والمصلحة على الدم، والصمت على الشرف.

وسط هذا الانهيار، يظل الموقف المصري استثناءً مشرفًا. مصر، بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، لم تغيّر بوصلتها، ولم تساوم على ثوابتها، ولم تدخل سوق المتاجرة بالقضية الفلسطينية. موقف واضح لا لبس فيه: لا للاستيطان، لا للتهجير، نعم للحقوق المشروعة، نعم لدولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.

مصر تدرك أن القضية الفلسطينية ليست ملفًا سياسيًا، بل قضية أمن قومي، وعدالة إنسانية، وحق تاريخي. ولهذا ستبقى القاهرة حجر العثرة أمام مخططات التصفية، وبوصلة الاتزان في زمن اختلت فيه الموازين.

للاسف نحن زمن تُقايض فيه بعض الدول مواقفها بالصفقات، وتبيع فيه القضايا الكبرى على موائد المصالح، تبقى الحقيقة عارية: فلسطين ليست عبئًا… بل اختبار شرف. والاستيطان ليس خلافًا سياسيًا، بل جريمة احتلال موصوفة، ومن يبرره شريك، ومن يصمت عليه متواطئ، ومن يغطيه كاذب أمام التاريخ.

لن يُكتب السلام بفيتو أمريكي، ولا ببيانات أوروبية خاوية، ولا بصمت عربي مريب. السلام يولد فقط من العدل، والعدل يبدأ بوقف الاستيطان، ورفع الحصار، ورد الحقوق لأصحابها. وكل محاولة لفرض واقع بالقوة ستسقط، ولو بعد حين.

ستبقى مصر - رغم كل الضغوط - الرقم الصعب، وصوت العقل، وضمير الأمة الحي، ما دام فيها موقف لا يُشترى، وقيادة تعرف أن القضايا لا تُدار بالمساومة، وأن الكرامة لا تُجزأ،أما البقية فليعلموا أن التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تنسى، والأرض لا تخون أصحابها،وفلسطين ستبقى، مهما طال الليل، ومهما طال الصمت.