المستشار محمد سليم ينعى قضاة مصر الأربعة: رحيلٌ يطعنُ القلب ويُوجِعُ الروح

يتقدم المستشار محمد سليم، عضو المحكمة العربية لفض المنازعات بين الدول العربية، وعضو اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس النواب السابق، بقلوب خاشعة مؤمنة بقضاء الله وقدره، بخالص العزاء والمواساة إلى السيد المستشار وزير العدل، وإلى المجلس الأعلى للقضاء، وإلى الأسرة القضائية في مصر، في المصاب الجلل الذي أدمى القلوب وأفجع الضمائر، إثر وفاة أربعة من خيرة رجال القضاء في حادث سير أليم على الطريق الصحراوي بمحافظة المنيا، أثناء عودتهم من أداء واجبهم ورسالتهم في إرساء العدل وحماية الحقوق وإعلاء كلمة القانون.
لقد تلقينا نبأ رحيلهم كالصاعقة.. خبر ثقيل لا يُحتمل، ومشهد مؤلم تُدمع له العيون قبل أن تنطقه الشفاه، بعدما انتقل إلى رحمة الله تعالى كل من:
القاضي محمد عبد الناصر محمد عبد الحكيم، القاضي إسلام حمدي كاشف عبد الرحمن، القاضي محمد محمد إبراهيم محمد البكري، القاضي مصطفى محمد مصطفى صالح، وهم جميعًا من قضاة محكمة المنيا الابتدائية، والرؤساء بمحكمة ديروط الكلية.
رجالٌ خرجوا في الصباح ليحملوا ميزان العدالة، ويؤدّوا رسالتهم بشرف واقتدار وإخلاص، ثم عادوا محمولين إلى رحاب رب كريم. خرجوا لأداء عملهم، لا يبتغون إلا وجه الله، وإرساء حق، وإنصاف مظلوم، وحماية وطن. كانوا جنود العدل الذين لا يعرفون تعبًا ولا يتهربون من مسؤولية، يمضون في الطريق ذاته كل يوم، ثم شاء القدر أن يكون هذا الطريق آخر ما تطأه أقدامهم في الدنيا.
إن رحيل هؤلاء القضاة الأجلّاء فاجعة لا تخص أسرهم وحدها، بل مصاب يمسّ كل بيت وكل مواطن.. لأن القاضي ليس مجرد موظف يؤدي عملاً، بل ضمير وطن، وحصن مجتمع، وصوت الحق حين يشتد الظلم، وملاذ المظلوم حين تضيق به السبل.
لقد عرفنا هؤلاء القضاة الأربعة بنزاهتهم، وبقلبهم الأبيض، وبقيمهم العالية التي جسدت معنى العدل في أنقى صوره. كانوا نماذج مضيئة في محراب القضاء، يحملون هيبة المنصة ووقارها، ويعاملون الناس بإنسانية لا تعرف التكبر ولا الانحياز. عاشوا رجالاً، وماتوا وهم على طريق الواجب.
وإذ نعزّي أسرهم الكريمة، نعزّي أنفسنا قبلهم.. نعزّي مصر كلها، ومؤسسة العدل التي فقدت اليوم أربعة من أنبل أبنائها. نعزّي القلوب التي لن تنسى وجوههم، ولن تنسى أحكامهم العادلة، ولن تنسى إخلاصهم الذي شهدت عليه سنوات خدمتهم الطويلة.
نسأل الله تعالى أن يتغمدهم بواسع رحمته، وأن يجزيهم خير الجزاء عمّا قدموه، وأن يسكنهم فسيح جناته مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين. ونسأله عز وجل أن يُلهم أسرهم وذويهم وزملاءهم الصبر والسلوان، وأن يربط على قلوبهم، ويجعل هذا المصاب الجلل آخر الأحزان.
لقد رحل رجال العدل.. لكن أثرهم باقٍ، وسيرتهم خالدة، وميزان الحق الذي حملوه لن يسقط ما دام في مصر قضاة يسيرون على نهجهم حتى آخر العمر.
إنا لله وإنا إليه راجعون.

