قبل أشهر من انطلاق كأس العالم 2026.. سياسات ترامب تثير مخاوف من تعثر الاستعدادات

قبل أشهر قليلة من انطلاق بطولة كأس العالم 2026، التي تستعد الولايات المتحدة لاستضافة الجزء الأكبر من مبارياتها، بدأت أصداء سياسية غير مرغوبة تتداخل مع الحدث الرياضي الأضخم عالميًا.
فبدل أن تنشغل المدن الأمريكية بالبنية التحتية، وحركة الفنادق، وأمن الملاعب، تجد نفسها اليوم وسط جدل متصاعد حول سياسات الهجرة التي تتبناها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حيث أفادت مجلة «فورين بوليسي» بأن هذه السياسات تُهدّد ـــ بشكل غير مسبوق ـــ صورة البطولة، وتهدد أيضًا قدرة المدن المستضيفة على توفير بيئة آمنة لملايين المشجعين المنتظرين.
ورغم أن ترامب كثيرًا ما نسب لنفسه الفضل في فوز الولايات المتحدة بحق استضافة كأس العالم، وحرص على إظهار إعجابه بالاهتمام الدولي بالكرة، إلا أن قرارات حكومته الأخيرة ـــ خاصة المداهمات الواسعة ضد المهاجرين ـــ أعادت طرح سؤال: «هل يمكن أن يتكرر مشهد الاحتفالات الرياضية المنتظرة بينما تعيش الجاليات اللاتينية وغيرها تحت تهديد دائم من حملات الترحيل؟».
وبينما تستعد مدن مثل لوس أنجلوس وشيكاغو وهيوستن لاستقبال الجماهير، تتصاعد المخاوف من أن تتحول مباريات المنتخبات اللاتينية إلى ساحات قلق ومطاردات، بدلًا من أن تكون بؤرًا للبهجة، ورغم محاولات إدارة ترامب تقديم تسهيلات لحضور المشجعين مثل «FIFA Pass»، تشير المجلة إلى أن الإجراءات الأمنية الحالية قد تُحول كأس العالم إلى اختبار سياسي قبل أن تكون حدثًا رياضيًا.
مليارات يتابعون.. وترامب في الواجهة
أفادت مجلة «فورين بوليسي» أن بطولة كأس العالم 2026، التي تنطلق في 11 يونيو/حزيران ويُقام معظمها داخل الولايات المتحدة، ستكون على مرأى مليارات المشاهدين حول العالم، وتشير المجلة إلى أنه لا يوجد مسؤول أمريكي ارتبط اسمه بالبطولة مثل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، الذي طالما أكد أنه صاحب الفضل في جلب الحدث إلى الأراضي الأمريكية.
ورغم أن ترامب ليس من عشّاق الرياضة، إلا أنه يُقدّر الزخم العالمي لكرة القدم؛ وقد بدا ذلك واضحًا في لقاء فريق تشيلسي بعد تتويجه ببطولة كأس العالم للأندية، قبل أن يحتفظ في المكتب البيضاوي بالكأس الذي «استعاره» من الفريق.
سياسات الهجرة تُهدد أجواء البطولة
بحسب المجلة، فإن أكبر تهديد يواجه كأس العالم في عهد ترامب يتمثل في سياسات مداهمات الهجرة الواسعة التي تستهدف مجتمعات بأكملها من ذوي الأصول اللاتينية.
وقد جرى تنفيذ هذه المداهمات في عدد من «المدن الزرقاء» التي تستضيف مباريات البطولة، ما أدى إلى احتجاجات واضطرابات واسعة، أبرزها ما حدث في لوس أنجلوس الصيف الماضي.
وأوضحت المجلة أن تجاوزات فرق إنفاذ قوانين الهجرة تُغذي مقاومة محلية قوية، مما يدفع الإدارة إلى مزيد من التشدد واستخدام خطاب تصعيدي ضد المهاجرين، وصولاً إلى نشر موارد عسكرية في بعض الحالات.
الجاليات اللاتينية في حالة خوف
ذكرت المجلة أن شعورًا متزايدًا بعدم الأمان يسود بين ذوي الأصول اللاتينية، بمن فيهم مواطنون أمريكيون، بسبب حوادث توقيف واحتجاز غير مبررة طالت أشخاصًا يحملون أوراقًا قانونية.
وهذا المناخ، وفق التقرير، أضر بالشركات الصغيرة والأحياء التي تعتمد على الجاليات اللاتينية، وهي نفس المجتمعات التي يُفترض أن تخلق أجواء احتفالية خلال بطولة كأس العالم 2026.
وتشير مجلة «فورين بوليسي»، إلى أن أي مباراة للمنتخب المكسيكي قد تتحول إلى يوم باهت وخطير إذا كانت دوريات الهجرة تطلب من كل ذي بشرة سمراء أو يتحدث الإسبانية إبراز أوراقه.
مباريات تُنقل بسبب حملات القمع
أوضحت المجلة أنه جرى نقل مباراة ودية بين الأرجنتين وبورتوريكو من شيكاغو إلى فلوريدا بسبب مداهمات الهجرة، رغم أن فلوريدا نفسها ليست أكثر أمانًا، وأضافت المجلة أن مواطنًا مكسيكيًا يحمل تأشيرة سياحية احتُجز في سجن يُعرف باسم «ألكاتراز التمساح» بعد توقيف مروري بسيط.
كما سُجن مواطن إيطالي-أرجنتيني رغم أنه كان يُخطط للمغادرة طواعية، وذلك ضمن تفعيل الولايات مثل فلوريدا وتكساس صلاحيات أوسع لإنفاذ قوانين الهجرة.
خطر استخدام كأس العالم كمصيدة للمداهمات
أشارت المجلة إلى مخاوف حقيقية من استخدام مباريات كأس العالم كمواقع لتنفيذ مداهمات، واستشهدت بتصريحات وزيرة الأمن الداخلي الأمريكية، كريستي نويم التي قالت إن وجود نجم البوب اللاتيني «باد باني» في السوبر بول قد يستدعي انتشار عناصر الهجرة، رغم أنه مواطن أمريكي.
وترى المجلة أن مباريات المنتخبات اللاتينية تحديدًا قد تُصبح «مواقع مثالية» لحملات الاستهداف.
توترات دبلوماسية متوقعة
أفادت المجلة، بأن الأحداث الرياضية أصبحت تتعايش مع حملة ترامب المشددة.
ففي يونيو الماضي، لعبت المكسيك ضد الدومينيكان في كاليفورنيا وسط قلق كبير من استهداف الجماهير، ما دفع الرئيسة المكسيكية كلوديا شينباوم إلى مطالبة السلطات الأمريكية بضمانات رسمية.
واضطر المنتخب المكسيكي أيضًا لتغيير فندقه بسبب اشتباكات بين متظاهرين ومسؤولي الهجرة، وتتوقع المجلة حدوث مواقف دبلوماسية مشابهة خلال الصيف المقبل.
وكشفت المجلة أن إدارة ترامب قدّمت «تنازلًا غير مسبوق» عبر إطلاق FIFA Pass لتسهيل دخول المشجعين الذين يواجهون تأخيرًا في الحصول على التأشيرات، وترى المجلة أن هذا يُظهر حرصًا على نجاح الحدث، لكنه غير كافٍ إذا استمرت المداهمات في المدن المستضيفة.
وطالبت المجلة ترامب بإصدار أوامر واضحة بتعليق حملات إنفاذ الهجرة، أو تقليصها بشكل كبير طوال البطولة.
دور الفيفا.. وضغوط خلف الكواليس
بحسب المجلة، يجب على الفيفا ممارسة ضغط مباشر وغير علني لوقف المداهمات، ليس بدافع حقوق الإنسان، وإنما لضمان عدم تعطل العمل الأساسي للبطولة.
وذكّرت «فورين بوليسي»، بأن روسيا وقطر قدّمتا إجراءات قبيل بطولتي 2018 و2022 لطمأنة الجماهير، لسلامة الجماهير عمومًا.
كما أن قرارات ترامب الأخيرة ـــ مثل توسيع حظر السفر ليشمل 19 دولة بينها إيران وهايتي (وكلاهما يشارك في كأس العالم) ـــ قد تُنذر بكارثة تنظيمية ودبلوماسية.
واختتمت المجلة بالقول إن كأس العالم، في أفضل حالاتها، حدث يوحّد العالم، ويجلب الأمل حتى لأفقر المجتمعات، لكن استمرار المداهمات العنيفة قد يجعل البطولة ساحة توتر بدلًا من الاحتفال.
وترى المجلة أن إيقاف حملات الهجرة خلال فترة بطولة كأس العالم 2026 «قد يستحق جائزة الفيفا للسلام».

