بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

مدير عام العمل العربية: القضاء على عمل الأطفال بجميع أشكاله، استحقاقٌ دولي تأخّر تحقيقه

مدير عام العمل العربية
أحمد موسى الضبع -

افتُتح في القاهرة، أمس الأربعاء ، مؤتمر "عمل الأطفال وسياسات الحماية الاجتماعية في الدول العربية"، الذي تنظمه منظمة العمل العربية بالتعاون مع المجلس العربي للطفولة والتنمية، وجامعة الدول العربية، وبرنامج الخليج العربي للتنمية «أجفند».

وحضر الجلسة الافتتاحية معالي الأستاذ فايز علي المطيري، المدير العام لمنظمة العمل العربية، ومعالي السيدة حنين السيد، وزيرة الشؤون الاجتماعية في الجمهورية اللبنانية، والأستاذ الدكتور حسن البيلاوي، الأمين العام للمجلس العربي للطفولة والتنمية، والوزير المفوض الأستاذة لبنى عزام، مدير إدارة الأسرة والطفولة بجامعة الدول العربية، وسعادة السيد محمدبن حسن العبيدلي المدير العام للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل ومجلس وزراء الشؤون الاجتماعية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والدكتور عبدالحليم دوجان الأمين العام لوزارة العمل في المملكة الأردنية الهاشمية إلى جانب 135 مشاركاً ومشاركةً من ممثلي الحكومات ومنظمات أصحاب الأعمال والاتحادات العمالية، وعدد من المنظمات العربية والإقليمية والدولية، وخبراء في مجال حماية الأطفال، ومنظمات المجتمع المدني.


وألقى معالي الأستاذ فايز المطيري ، المدير العام لمنظمة العمل العربية، كلمة في الجلسة الافتتاحية نوه فيها إلى تزاحم الأزمات العالمية، وتقاطع الصراعات الجيوسياسية مع السباق المحموم نحو السيطرة على الأسواق والمعادن النادرة، موضحاً أن تداعيات الحروب والنزاعات، والتغيرات المناخية، وتقلبات الاقتصاد العالمي، أدّت في بعض الدول العربية إلى تكريس واقع اجتماعي هش يهدد منظومة الحماية الاجتماعية وفرص العمل اللائق ومسار الانتقال العادل للتنمية. وأشار إلى محدودية البيانات والإحصائيات، وإلى أن الدلائل جميعها تشير إلى أن الفقر، والاقتصاد غير المنظم، والأزمات الممتدة، تشكّل بيئة خصبة لانتشار عمل الأطفال. وأن الطفل العامل يقف بين أكثر الفئات هشاشة، يواجه خطراً مركباً بين حاضرٍ مثقل بالتحديات ومستقبلٍ مجهول تُصادر فيه فرصه في التعليم والصحة والحياة الكريمة.


وأضاف : "أحدث التقديرات العالمية لعام 2024 تشير إلى استمرار انخراط نحو 138 مليون طفل في عمل الأطفال، منهم 54 مليوناً في أعمال خطرة تهدد صحتهم وسلامتهم ونماءهم. وهذه الأرقام تُظهر إخفاقاً دولياً في تحقيق الهدف العالمي بالقضاء على عمل الأطفال بحلول عام 2025. وبين أن هذه الأرقام، للأسف، ليست عدداً مجرداً؛ "إنها وجوهٌ وأسماء وأحلام، وقصص حيّة لأطفالٍ حرموا من مقاعد الدراسة، ودُفعوا إلى سوق العمل تحت وطأة الفقر والأزمات". مؤكداً أن ظاهرة عمل الأطفال متعددة الأبعاد؛ ترتبط بنمو الاقتصاد، ومستوى الحماية الاجتماعية، وجودة التعليم، وقدرة الأسر على الصمود، وأن معالجتها تتطلّب مقاربة شاملة تتجاوز الحلول المجتزأة.


وقال "المطيري": "نحن في منظمة العمل العربية، وبتعاوننا الوثيق مع جامعة الدول العربية وبرنامج الخليج العربي للتنمية "أجفند" والمجلس العربي للطفولة، نؤمن بأن حماية حقوق الطفل التزامٌ جماعي يقع في صميم أولوياتنا. ووفقاً لاتفاقية حقوق الطفل، ونداء ديربان، والمقصد السابع من الهدف الثامن للتنمية المستدامة، فإن القضاء على أسوأ أشكال عمل الأطفال وحظر عمل الأطفال بجميع أشكاله، استحقاقٌ دولي تأخّر تحقيقه. وهذا يفرض علينا توسيع مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل الأسر الهشة والعاملة في الاقتصاد غير المنظم، ودمج خدمات التعليم والصحة والرعاية الاجتماعية في إطار يعزز الوصول الشامل للأطفال. كما يفرض علينا الاستثمار في البيانات والرصد الرقمي لمتابعة التسرب المدرسي وعمل الأطفال، وتمكين المرأة اقتصادياً واجتماعياً، وتعزيز دور المجتمع المدني والإعلام لكسر دوائر الصمت ومواجهة الصور النمطية التي تبرر تشغيل الأطفال، وتسخير التحول الرقمي لتحقيق أهدافنا".


وأكد معاليه أن بلوغ هذه الأهداف لا يمكن أن يتحقق دون شراكة حقيقية بين الحكومات وأصحاب العمل والعمال، والجهات الحكومية المختصة والمجتمع المدني، للارتقاء بمنظومة شاملة لحماية الطفل، استناداً إلى مرجعيات عربية ودولية، من بينها اتفاقيات وتوصيات العمل العربية، وخاصة الاتفاقية رقم 18 بشأن عمل الأحداث، والتوصية رقم 9 بشأن الحماية الاجتماعية للعاملين في القطاع غير المنظم، إضافة إلى إعلان الدوحة السياسي الذي أقره قادة العالم الشهر الماضي في مؤتمر القمة العالمي الثاني للتنمية الاجتماعية، والذي أكد أن العدالة لاتقاس بمتوسطات النمو، بل بمدى صونها لكرامة الإنسان وحمايتها لأضعف الفئات؛ وأن التنمية لا تكتمل دون إنصاف الأجيال القادمة؛ وأن الفئات الهشة من النساء والأطفال تستحق أولوية قصوى في السياسات العامة، مع اتخاذ تدابير فعالة للقضاء على جميع أشكال ومظاهر عمل الأطفال. وتعزيز إدماج السياسات والبرامج المراعية للطفل في الاستراتيجيات الوطنية بما في ذلك برامج الحماية الاجتماعية التي تقدم حزمة متكاملة من الخدمات الأساسية.


وأضاف: "لا يمكن الحديث عن حقوق الطفل العربي دون الوقوف أمام مأساة أطفال غزة الذين يواجهون أبشع صور الانتهاك لحقوق الطفل. فمنهم من قضى تحت القصف، ومنهم من أصيب بإعاقات دائمة أو يعاني صدمات نفسية قاسية. إنّ ما يتعرض له أطفال فلسطين امتحانٌ حقيقي لضمير الإنسانية، واختبارٌ لمصداقية التزامنا بالمواثيق الدولية التي تُقرّ بأن حق الطفل في الحياة والأمان والتعليم والصحة هو حق غير قابل للمساومة". ودعا إلى العمل في مسار عربي، يبدأ بمراجعة السياسات الاجتماعية والتشريعات الوطنية، ولننسق المواقف قبيل القمة العالمية المقبلة للقضاء على عمل الأطفال في المغرب عام 2026، لتقديم موقف عربي موحد يستند إلى إنجازات ملموسة.


وفي كلمة مرئية مسجلة لصاحب السمو الملكي الأمير عبد العزيز بن طلال بن عبد العزيز آل سعود، رئيس المجلس العربي للطفولة والتنمية ورئيس برنامج الخليج العربي للتنمية «أجفند»، خلال افتتاح المؤتمر العربي رفيع المستوى أشار سموه إلى أن انعقاد المؤتمر يأتي استجابة لضمان حق كل طفل في حياة كريمة وبعيدة عن الاستغلال، مشيدًا بشراكة جامعة الدول العربية ومنظمة العمل العربية وسائر الشركاء في دعم الطفل العربي. وأكد سموه أن: " قضية عمل الأطفال ما تزال تمثل تحدياً حقيقياً أمام مجتمعاتنا العربية، لما تحمله من آثار سلبية على النمو البدني والنفسي والتعليمي للأطفال"، باعتبارها قضية حقوق إنسان ترتبط بأهداف التنمية المستدامة 2030، مع الحاجة لتعزيز التعليم الإلزامي وشبكات الأمان الاجتماعي ودعم الأسر الفقيرة. واعتبر أن المؤتمر يمثّل منصة لتنسيق الجهود وبناء سياسات حماية اجتماعية متكاملة، متطلعًا إلى الخروج بإعلان عربي مشترك، يعبر عن إرادة عربية موحدة لمكافحة عمل الأطفال ويدعو إلى تعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية. مؤكداً استمرار المجلس في نهج مؤسِّسه الأمير طلال بن عبد العزيز ، رحمه الله ، وأن الاستثمار في الطفولة هو استثمار في نهضة الأمة وتقدمها.


وفي كلمتها أكدت الأستاذة لبنى عزام، مدير إدارة الأسرة والطفولة بجامعة الدول العربية، أن السنوات الأخيرة شهدت تغيّراً جذرياً في أشكال وأنماط هذه الظاهرة بسبب جائحة كورونا، والتغيّر المناخي، والحروب، والأزمات الاقتصادية، والتحولات السياسية والاجتماعية، مما خلَّف أطفالاً في حالات لجوء ونزوح وانتهاكات، ورفع معدلات الفقر واتساع فجوة الفرص، فدفع كثيراً من الأطفال إلى سوق العمل مبكراً. وأشارت إلى الاتفاقيات العربية والدولية، وعلى رأسها اتفاقية حقوق الطفل واتفاقيات العمل العربية والدولية، وأن حماية الطفل واجب قانوني وأخلاقي، منوهة أن خطة 2030 تضع هدف القضاء على عمل الأطفال؛ مضيفة أنه رغم التقدم، لا يزال نحو 138 مليون طفل يعملون عالمياً، ما يستلزم الانتقال من التعهد إلى التنفيذ وإعادة النظر في سياسات الحماية الاجتماعية. وقالت عزام:" يتطلع المؤتمر إلى موقف عربي موحد يعزز الإرادة السياسية، ويبني نظم حماية شاملة وسياسات تعليمية وخطط دمج للأطفال المتضررين، ويعدّ الإعلان العربي محطة رئيسة للتحضير للمؤتمر العالمي السادس للقضاء على عمل الأطفال 2026".


هذا وأكدت معالي السيدة حنين السيد، وزيرة الشؤون الاجتماعية في الجمهورية اللبنانية، في كلمتها خلال الجلسة الافتتاحية أن قضية عمل الأطفال ليست تفصيلًا، بل مرآةً لمدى قدرة الدول العربية على حمايةِ الفئاتِ الأكثرِ هشاشةً محذّرةً من أن الطفلَ الذي يُدفَعُ إلى سوقِ العملِ يفقدُ أكثرَ من مقعدِهِ الدراسيِّ؛ "يفقدُ طفولتَهُ، وأمانَهُ، ومسارَهُ الطبيعيَّ للنموِّ". واستعرضت واقع الأزمة الاقتصادية في لبنان وما كشفته من هشاشة خطيرة، بما يدفع آلاف الأطفال إلى الشوارع والمزارع والورش وأحيانًا إلى أسوأ أشكال الاستغلال. مبينة أن وزارة الشؤون الاجتماعية تعمل على إعادة بناء منظومة حماية الطفل وإطلاق برامج للدعم النفسي والاجتماعي والصحي، وتطوير التشريعات وتعزيز الشراكات ضمن الاستراتيجية الوطنية للحماية الاجتماعية، مؤكدةً أن هذه الجهود تحتاج إلى سياسات اقتصادية تخفف الفقر وتعيد الأطفال إلى المدرسة. وأضافت :"إنَّ حمايةَ الطفلِ ليستْ مهمّةَ وزارةٍ واحدةٍ، بل معيارٌ لجدّيةِ الدولِ في حمايةِ مستقبلِها، وأن كلُّ طفلٍ نُعيدُهُ إلى المدرسةِ هو دليلٌ على قدرتِنا على إعادةِ بناءِ ما تهدّمَ، وعلى أنَّ الكرامةَ الإنسانيّةَ ما زالتْ أساسَ سياساتِنا".


وفي الجلسة التمهيدية قدمت مداخلات من السيدات والسادة :الأستاذ الدكتور حسن البيلاوي، الأمين العام للمجلس العربي للطفولة والتنمية، وسعادة السيد محمدبن حسن العبيدلي المدير العام للمكتب التنفيذي لمجلس وزراء العمل ومجلس وزراء الشؤون الاجتماعية بدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، والأستاذة مروة صلاح عبده مدير مشروعات مكافحة عمل الأطفال، مكتب منظمة العمل الدولية في القاهرة، والأستاذة نور العمارتي مديرة دائرة التعاون الدولي والشراكة في وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى، والتشغيل والكفاءات في المملكة المغربية.


ويهدف المؤتمر رفيع المستوى، الذي يستمر ليومين، إلى تسليط الضوء على واقع سياسات الحماية الاجتماعية للأطفال في الدول العربية، وتقديم رؤى جديدة لبناء سياسات استباقية ومرنة للحماية الاجتماعية تستند إلى النهج الحقوقي والتنموي المستدام، موجهة بشكل خاص لحماية الأطفال العاملين، إضافة إلى تحديد الأدوار والمسؤوليات المختلفة للأطراف المعنية (الحكومات، منظمات أصحاب الأعمال، نقابات العمال، المجتمع المدني، الإعلام) في دعم وتفعيل سياسات الحماية الاجتماعية للأطفال العاملين، والتعرف على الجهود المبذولة من الشركاء لمكافحة عمل الأطفال،واستعراض التجارب والمبادرات الناجحة في الدول العربية لمكافحة أسوأ أشكال عمل الأطفال في ظل الأزمات الراهنة، وصياغة موقف عربي موحد حيال مواجهة قضية عمل الأطفال.