من المسؤول… ومن غير المسؤول؟ تحقيق يكشف فشل المنظومة في إنقاذ طفل السباحة يوسف”

تحقيق في حقيقة ما حدث في مأساة السباح الصغير يوسف
رحم الله يوسف، الطفل البطل الذي غادر الدنيا في لحظة كان من المفترض أن تكون لحظة فخر. مأساة كشفت خللًا خطيرًا في منظومة تنظيم البطولات، وأعادت سؤال المسؤولية إلى الواجهة: من المسؤول؟ ومن الذي حُمِّل اللوم ظلمًا .
أولاً: المدرب خارج نطاق الرؤية… والحقيقة التي لا يعرفها كثيرون
الناس بتلوم على المدرب، لكن الحقيقة العملية تنفي تمامًا إمكانية تحميله المسؤولية.
المدرب لا يقف بجوار حمام البطولة، ولا يُسمح له بالتواجد على حافة الحارات. مكانه الحقيقي يكون في المدرجات أو مناطق بعيدة لا تسمح برؤية واضحة لسطح الماء، خاصة مع ضعف الإضاءة والانعكاسات الشديدة التي تجعل التمييز أصعب.
أما المدربون الآخرون الموجودون بالقرب من حمام المياه، فهم في الأغلب داخل حمام الإحماء المنفصل، يؤدّون مهام مرتبطة بالتسخين أو تسيين السباحين قبل دخول السباق. وبالتالي فهم أيضًا بعيدون تمامًا عن حوض المنافسة الرئيسي.
توضيح إضافي مهم حول دور المدرب
النظام المتبع لا يسمح لأي مدرب أن يشرف على خروج السباح من الماء أو يتابعه لحظة بلحظة، والمكان نفسه مصمَّم بحيث المدرب يبقى خارج منطقة خط النهاية أو حافة الحوض. ولو كان لكل سباح مدرب مرافق على الحوض لكان الوضع أكثر أمانًا، لكن هذا غير مطبّق أصلًا.
وبالتالي، حين نقول إن المدرب لم يرَ يوسف أو لم يستطع التدخل، فهذا ليس تقصيرًا منه، بل واقع المكان وقواعد البطولة نفسها. فالمدرب خارج نطاق الرؤية، خارج القدرة على التدخل، وغير مسؤول عن حادث يوسف، على عكس الحكام والمنقذين والإداريين الموجودين فعليًا على الحافة والمسؤولين عن سلامة السباحين.
ثانيًا: أولياء الأمور… خارج المشهد تمامًا
أولياء الأمور يقفون في مدرجات بعيدة لا تطل على الحارات الأولى بسبب التندات القماشية التي تحجب الرؤية تمامًا.
حتى لو صرخ ولي أمر، فلن يسمعه أحد وسط ضوضاء آلاف المتفرجين.
اللحظة الفارقة بين ظهور اسم الطفل على الشاشة كبطل، ثم اختفائه بعد ثوانٍ، هي لحظة لا يملك ولي الأمر فيها أي وسيلة للمتابعة أو التدخل.
ثالثًا: المسافات… والزحام… والوقت الضائع
الصور من أعلى تظهر حجم الكارثة.
حمام سباحة مكتظ بالمدربين، الحكام، الفرق، والجماهير، بينما المسافات بين كل شخص والآخر تستغرق وقتًا كبيرًا للوصول.
لو أراد مدرب أو إداري الوصول إلى سباحه، فقد يحتاج أكثر من دقيقة للوصول إلى الحوض—وفي حوادث الغرق… الثواني القليلة تصنع الفارق.
رابعًا: الإضاءة… غير مطابقة للمواصفات
الأستاد بأكمله كان يعمل ببرج إنارة واحد فقط، لا يحقق الحد الأدنى القانوني للإضاءة المطلوبة للبطولات الدولية.
ضعف الإضاءة جعل رؤية السباح من أعلى مهمة شبه مستحيلة، فكيف برؤية طفل في قاع الحوض؟
وما يزيد الأمر سوءًا انعكاس ضوء المدرجات في اتجاه المدربين، مما يخلق طبقة لامعة فوق سطح الماء تحجب الرؤية تمامًا.
إضافة لذلك، إزالة برجين وإقامة مول وجراج دون تعويض بالإضاءة الكافية زادت المشكلة، وجعلت متابعة الأطفال داخل الماء شبه مستحيلة.
خامسًا: المسؤولية الحقيقية… عند من يقف على الحافة
من يقف على بعد أقل من ٥ أمتار من حمام البطولة هو المسؤول الأول عن سلامة السباحين:
حكام الخط
منقذو الحوض
مسؤولو إدارة الحمام
إداريين البطولة
اتحاد السباحة
هيئة الأستاد
جميع هؤلاء لديهم رؤية مباشرة للمياه، ولديهم سلطة التدخل، ودورهم الأساسي هو "الأمان".
وإذا كانت الإضاءة، والتنظيم، والزحام، وعدم التزام المعايير قد أعاقت رؤيتهم… فهذه مسؤوليتهم أيضًا.
سادسًا: الحالة الطبية والتدخلات الطارئة
أي قلب في اختلال كهربائي قد يتعرض لأزمة مفاجئة، وربما يعود الطفل للوعي إذا حدثت الحالة في بيته.
لكن أن يتوقف قلبه داخل الماء لعشر ثوانٍ، وتليه عشر ثوانٍ من الإسعافات الأولية بدون أجهزة متطورة وعربة إسعاف مجهزة، ثم نصف ساعة حتى وصوله للمستشفى، يجعل أي محاولات لإنعاشه عاجزة بطبيعة الحال.
سابعًا: التزامات المسؤولين وفق القانون الدولي واللوائح المحلية
وفقًا للقانون الدولي للسباحة، لكل حكم دور محدد في متابعة الحارات، مراقبة السباحين، وضمان سلامتهم أثناء السباق. الحُكام مسؤولون عن:
متابعة خروج كل سباح من الماء
التأكد من تطبيق قواعد السلامة في كل الحارات
التدخل الفوري عند حدوث أي حالة طارئة
أما إدارة المسابقات والهيئات الرياضية، فهي مسؤولة عن:
إعداد الحمام وفق المعايير الدولية (الإضاءة، التهوية، توزيع المنقذين)
التأكد من وجود طاقم إنقاذ كافٍ لكل حوض
ضمان أن جميع المنافسات تُقام وفق لوائح السلامة المعتمدة
والإداريون وطاقم التحكيم المحلي عليهم التزام مباشر بمراقبة كل النشاطات، من دخول وخروج السباحين وحتى توفير بيئة آمنة للبطولة. أي تقصير في تنفيذ هذه الالتزامات يُضع المسؤولية القانونية كاملة على هذه الأطراف، لأنها تمتلك الأدوات، الموقع، والسلطة للتدخل الفوري.
ثامنًا: الأدلة موجودة… والصور تتحدث
الصور التي جُمعت من البطولة تُظهر بوضوح زوايا الرؤية، الإضاءة، مواقع الحكام، توزيع المنقذين، وموقع سقوط المسؤولية.
هذه الأدلة ليست للوم المدربين أو الأهالي، بل لتحديد المسؤول الحقيقي أمام الرأي العام والتحقيقات.
المدرب غير مسؤول لأنه ببساطة لم يكن جزءًا من دائرة الرؤية أو القدرة أو القرار.
أما المسؤولون الحقيقيون… فهم الذين وقفوا على الحافة ولم يروا.
والمأساة لم تكن قضاءً وقدرًا فقط، بل خللًا في منظومة كاملة كانت من المفترض أن تحمي طفلًا اسمه يوسف.
رحمه الله، وربط على قلب أهله، ولعلّ شهادته تكون سببًا لإصلاح منظومة تُنقذ حياة أطفال آخرين.

