بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

الكاتب الصحفى محمود نفادى يكتب :همسة عتاب

الكاتب الصحفى محمود نفادى
-

في حياة كل إنسان لحظات يعلو فيها اسمه، وتزدحم حوله الوجوه، وتتكاثر الأيادي التي تصافحه. لكن حين يكون هذا الإنسان واحدًا من نجوم المجتمع، ممن يملكون حضورًا لافتًا، ورؤية مختلفة، وأفكارًا تسبق زمانها… يصبح الضوء مضاعفًا، والالتفات إليه أمرًا طبيعيًا؛ فالكاريزما تجذب، والتميز يستدعي الانتباه.

لكن، حين يأتي المرض ، ذلك الضيف الثقيل الذي لا يعرف مكانة ولا مقامًا ، يبدأ غربال الحقيقة في العمل بصمت قاسٍ، فمن كان بالأمس الأقرب، يصبح فجأة مشغولًا، ومن كان يملأ الأجواء بالإعجاب والتفخيم، يختفي بلا مقدمات، ومن كان يبتسم في العلن، يلوذ بالصمت في الخفاء.

يومها يفهم النجم ، أو أي إنسان ،الحقيقة القديمة التي لا تبلى، أن الضوء يجذب الجميع، لكن العتمة تختبر القلوب، ومما يزيد هذه الحكاية ألمًا ، وهي حكاية تتكرر في حياة الكثيرين ، أننا نكتشف عند المرض مفارقة مُربكة لا تفسير لها، أقرب المقرّبين، أولئك الذين شاركونا الخبز والذكريات والضحكة والسرّ، يختفون في اللحظة التي نحتاج إليهم فيها، كأن المرض يمحو ما كان، أو كأن الودّ كان معلّقًا بشرط الصحة والقدرة والحضور.

المؤلم حقًا أن من كان يُفترض أن يكون أول من يطرق الباب، يصبح آخر من يتذكر أن الباب موجود أصلًا،وفي المقابل ، وهنا دهشة الحياة الجميلة نجد أشخاصًا لم نكن نتوقع منهم شيئًا، يسألون كل يوم، يطمئنون، يرسلون كلمة صادقة تشبه بلسمًا على الروح ، هؤلاء الذين لم نراهن عليهم يومًا، يصبحون في لحظة ضعفنا أكب من كل الرهانات.

هؤلاء يثبتون لنا أن الإنسانية ليست صلة دم، ولا عدد سنوات، ولا صورًا التقطناها في فترات الوهج، بل هي نبض داخلي لا يعرف المجاملة، ولا يطلب مقابلًا.

المرض لا يؤلم الجسد فقط، بل يجرح الروح حين تكتشف أن بعض العلاقات كان عمرها من عمر الظهور، لا من عمر الود، وأن بعض الذين التفّوا حولك لم يكونوا حول قلبك، بل حول بريقك.

ومع ذلك يبقى العتاب ضرورة إنسانية، لا لتأنيب أحد، ولكن لكي يفهم الجميع أن السؤال لا يحتاج إلى جهد، وأن الكلمة الطيبة لا تُكلّف شيئًا، وأن غياب البعض يوجع أكثر مما يظنون.

وهنا تأتي همسة العتاب الراقية، لا تجعلوا المرض امتحانًا قاسيًا لصديق كان يومًا سندًا لكم، لا تجعلوا انشغالات الدنيا تسرق منكم فضيلة السؤال، ولا تتركوا من أحبكم في الضوء، وحملكم في قلبه، يقف في عتمة الألم وحيدًا.

فالقلوب التي تعرف معنى الوفاء لا تنتظر مناسبة، ولا تحتاج دعوة، ولا تغيب حين يمرض العزيز، والأصدقاء الحقيقيون لا يأتون فرادى عند الشدة، بل تأتي معهم الطمأنينة.

وفي النهاية يبقى المرض عابرًا، وتبقى المواقف هي التي تسجَّل،ويبقى الإنسان أيًّا كان نجمه، وبريق حضوره محتاجًا إلى كلمة، إلى رسالة، إلى قلب يعرف قيمة العِشرة، هذه ليست شكوى، إنّما عتاب رقيق يليق بمقام من كان حضوره نورًا… حتى وهو في لحظة ضعف.