بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

من القلق إلى العزلة.. أضرار إدمان الطفل للألعاب الإلكترونية وطرق العلاج

ادمان الطفل
شيماء خالد -

لم تعد الألعاب الإلكترونية مجرد وسيلة ترفيهية عابرة للأطفال، بل تحولت لدى بعضهم إلى بوابة إدمان خفية تسحبهم تدريجيًا من عالمهم الواقعي نحو عزلة رقمية، تؤثر على نموهم النفسي والعقلي والاجتماعي. ومع تزايد عدد الساعات التي يقضيها الصغار أمام الشاشات، بدأت تظهر علامات تستدعي القلق — من اضطراب النوم إلى ضعف التحصيل الدراسي وحتى العدوانية المفاجئة.

وفقًا لتقرير نشره موقع Raising Children Network المتخصص في إرشاد الأسر حول سلوكيات الأطفال والمراهقين، فإن الاستخدام المفرط لألعاب الفيديو قد يؤدي إلى اضطرابات نفسية وسلوكية، تشمل التوتر، والعصبية، والانفصال الاجتماعي، بل وقد يصل الأمر في بعض الحالات إلى أعراض تشبه الإدمان السلوكي تمامًا، حيث يصبح الطفل غير قادر على التوقف عن اللعب حتى مع إدراكه لضرره.

كيف يبدأ الإدمان؟

في البداية، يلعب الطفل بدافع الفضول أو المتعة. لكن تصميم الألعاب الحديثة قائم على آليات تعزيز ذهني تعتمد على التحفيز الفوري ما يجعل الدماغ يفرز كميات متزايدة من الدوبامين، وهو الناقل العصبي المرتبط بالمتعة. بمرور الوقت، يحتاج الطفل إلى وقت أطول للشعور بالرضا نفسه، فيدخل في دائرة الإدمان دون وعي.

هذا الإدمان لا يتوقف عند الجانب النفسي، بل يمتد إلى تدهور العلاقات الاجتماعية، إذ ينسحب الطفل من محيطه العائلي ويفضل العوالم الافتراضية، كما تتراجع قدرته على التواصل الواقعي أو تكوين صداقات خارج الشاشة.

إشارات تحذيرية لا ينبغي تجاهلها

غالبًا ما تبدأ العلامات مبكرًا: اضطراب النوم، انخفاض الأداء الدراسي، التوتر السريع عند منعه من اللعب، أو محاولته الكذب بشأن الوقت الذي يقضيه أمام الأجهزة. وقد يلاحظ الأهل أن طفلهم أصبح أكثر انعزالًا وأقل رغبة في التفاعل مع الأسرة أو ممارسة الأنشطة الأخرى.

كما أشار التقرير إلى أن بعض الأطفال يعانون مما يُعرف بـ "غضب اللاعب"، وهو سلوك عدواني يظهر أثناء اللعب أو بعد خسارة اللعبة، ويتجلى في الصراخ أو تحطيم الأشياء أو استخدام الألفاظ الجارحة.

دور الأهل في كسر دائرة الإدمان

أولى خطوات المواجهة تبدأ بالحوار. يحتاج الطفل إلى الشعور بالأمان والإنصات، وليس إلى اللوم أو التوبيخ. يُنصح الوالدان بتخصيص وقت هادئ للتحدث معه حول الألعاب التي يفضلها، وما الذي يجعله يستمتع بها، ثم محاولة فهم الدوافع الخفية وراء التعلق الزائد — كالشعور بالملل، أو الحاجة إلى التقدير، أو الهروب من ضغوط نفسية.

بعد ذلك، يأتي وضع حدود واضحة لوقت الشاشة. يمكن مثلاً تحديد عدد ساعات أسبوعية للعب، أو فصل الإنترنت في أوقات محددة. والأهم أن تُطبق هذه القواعد بثبات وهدوء، لا عبر العقاب المفاجئ أو الحرمان القاسي.

استبدال العادة بعادات

الطفل لا يمكن فطامه عن اللعب إلا إذا وُجد بديل يثير اهتمامه بالقدر نفسه. لذلك يُنصح بتشجيعه على أنشطة بديلة — كالرياضة، أو الرسم، أو الموسيقى، أو المشاركة في أنشطة جماعية — لتفريغ طاقته بطرق صحية تُعيد له التوازن. كما أن الأنشطة العائلية المنتظمة، مثل قضاء يوم بدون شاشات أو ممارسة ألعاب جماعية واقعية، تساعد على إعادة بناء الروابط الاجتماعية المفقودة.

متى يجب طلب المساعدة المتخصصة؟

حين تبدأ الألعاب بالتأثير بوضوح على الدراسة أو النوم أو المزاج، أو حين تظهر علامات الانسحاب من الحياة اليومية، يصبح من الضروري استشارة مختص في الطب النفسي للأطفال أو العلاج السلوكي. فالمتابعة المبكرة تمنع تحوّل السلوك الاعتيادي إلى اضطراب مزمن.

يمكن للطبيب أو الأخصائي تحديد ما إذا كان الطفل يعاني من إدمان فعلي، ووضع خطة علاجية تعتمد على تقنيات إدارة السلوك، وتنظيم الوقت، وإعادة تدريب الدماغ على التحكم في الرغبة الملحة باللعب.

التكنولوجيا يمكن أن تُدار لا أن تُلغى

الهدف ليس حرمان الطفل من التكنولوجيا، بل تعليمه التوازن في استخدامها. حين يتعلم أن الجهاز وسيلة لا غاية، يصبح أكثر قدرة على الاستفادة من مزاياه دون الوقوع في أسره. ويُعدّ دور الأسرة هنا جوهريًا — فالأبوان قدوة، وطريقة تعاملهما مع الهواتف والشاشات تُشكل النموذج الأول في وعي الطفل.