بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

تشعر بالإرهاق والتعب الدائم؟.. قد تكون الحساسية هى السبب الخفى

الإرهاق
شيماء خالد -

عندما يشعر الإنسان بالإجهاد المستمر رغم حصوله على قسط كافٍ من النوم، غالبًا ما يبحث عن تفسير في ضغوط العمل أو نقص الفيتامينات. لكن هناك سببًا آخر أقل وضوحًا، وهو الحساسية. هذا التفاعل المناعي الذي يبدو في ظاهره بسيطًا – عطس متكرر أو انسداد أنف – يمكن أن يتحول إلى عبء خفي ينهك الجسد والعقل معًا.

وفقًا لتقرير نشره موقع Cleveland Clinic الطبي، فإن الإرهاق الناتج عن الحساسية لا يرتبط فقط بالأعراض الظاهرة، بل ينجم عن تفاعل داخلي معقّد في جهاز المناعة يستهلك قدرًا كبيرًا من الطاقة. فعندما يواجه الجسم مواد يعتبرها غريبة – مثل حبوب اللقاح أو وبر الحيوانات أو عث الغبار – يطلق سيلًا من المواد الكيميائية الالتهابية، أبرزها الهيستامين والسيتوكينات، التي تثير الشعور بالتعب والنعاس واضطراب التركيز.

جهاز المناعة… في حالة استنفار دائم

يشبه الأمر حربًا مستمرة يخوضها الجسم دون راحة. فالمناعة التي تعمل عادة لحمايتنا من العدوى تبدأ في مهاجمة عناصر غير مؤذية، مما يؤدي إلى حالة من الالتهاب المزمن منخفض الشدة. هذا الالتهاب يستهلك طاقة الجسم ويؤثر على عمل الدماغ، فيشعر المريض ببطء في التفكير وصعوبة في التركيز، وهي الحالة التي تُعرف اصطلاحًا بـ “ضباب الدماغ التحسسي”.

وتوضح الدراسات أن السيتوكينات، وهي بروتينات تنظيمية يفرزها الجهاز المناعي، يمكنها التأثير على مراكز النوم واليقظة في الدماغ. لذلك لا يقتصر أثر الحساسية على الأنف والعينين فقط، بل يمتد إلى اضطراب دورة النوم الطبيعية، ما يجعل المصاب يشعر كأنه لم ينم إطلاقًا حتى بعد ليلة كاملة في السرير.

دواء الحساسية… سبب إضافي للنعاس

ليست الحساسية وحدها المسؤولة عن التعب؛ فبعض مضادات الهيستامين التي تُستخدم للسيطرة على الأعراض قد تُسبب النعاس أيضًا. أن الأدوية القديمة من “الجيل الأول” مثل ديفينهيدرامين وكلورفينيرامين تؤثر على الجهاز العصبي مباشرة لأنها تعبر الحاجز الدموي الدماغي بسهولة، ما يؤدي إلى الشعور بالكسل والدوخة. أما أدوية “الجيل الثاني” مثل سيتريزين ولوراتادين فهي أقل تسببًا للنعاس، لكنها قد تُحدث تأثيرًا مشابهًا لدى بعض الأشخاص حسب طبيعة أجسامهم أو عند تفاعلها مع أدوية أخرى أو مع الكحول.

النوم المتقطع يزيد التعب

الأنف المسدود، والسعال الليلي، والعطس المتكرر كلها تجعل النوم المتواصل مهمة شبه مستحيلة. عندما يتكرر الاستيقاظ أثناء الليل، يفقد الجسم مراحل النوم العميق التي تُعيد إليه نشاطه. ومع الوقت، يدخل المصاب في حلقة مفرغة: الحساسية تمنع النوم، وقلة النوم تُضعف المناعة، مما يزيد حدة الحساسية.

لهذا السبب، ينصح أطباء الحساسية بتهيئة غرفة النوم لتقليل المحفزات: إبقاء النوافذ مغلقة خلال موسم حبوب اللقاح، تنظيف الفراش وأغطية الوسائد أسبوعيًا بماء ساخن، واستخدام أجهزة تنقية الهواء التي تقلل الجسيمات الدقيقة المسببة للتهيج.

نمط حياة مضاد للحساسية

التحكم في الحساسية لا يتوقف عند الدواء. فاختيار أسلوب حياة مناسب يمكن أن يُحدث فرقًا كبيرًا. على سبيل المثال:

الاستحمام بعد العودة من الخارج لإزالة آثار الغبار وحبوب اللقاح من الجلد والشعر.

تنظيف الحيوانات الأليفة بانتظام إن وُجدت في المنزل لتقليل انتقال الوبر.

استخدام غسول الأنف الملحي لطرد المهيجات المتراكمة في الممرات الأنفية.

تجنب الكافيين في المساء لأن القهوة قد تزيد اضطرابات النوم الناتجة عن الحساسية

كما تُعدّ حقن الحساسية (العلاج المناعي) من الخيارات الفعالة طويلة المدى، إذ تُعوّد الجهاز المناعي على تحمل المواد المثيرة للحساسية، مما يقلل من شدة الأعراض تدريجيًا بمرور الوقت.

متى يجب استشارة الطبيب؟

إذا استمر الشعور بالإرهاق أو تزايد ضباب الذهن، فربما تكون الحساسية جزءًا من المشكلة فقط. قد تتشابه الأعراض مع عدوى فيروسية أو اضطرابات الغدة الدرقية أو فقر الدم. لذا يُنصح بمراجعة الطبيب لإجراء فحوصات دقيقة واستبعاد الأسباب الأخرى.

إن فهم العلاقة بين الحساسية والإرهاق هو الخطوة الأولى لاستعادة النشاط والحيوية. فالجسد الذي يحارب باستمرار يحتاج إلى الدعم، لا إلى الإهمال. ومع العلاج الصحيح، وتعديل العادات اليومية، يمكن للإنسان أن يستعيد صفاء ذهنه وطاقته دون أن يشعر بأن يومه معركة ضد التعب