اليعسوب: رقصة الصمت والحركة والدماء

في فيلمه "اليعسوب"، يرسم بول أندرو ويليامز لوحة إنسانية فائقة الدقة ترتكز على جماليات الأداء الصامت في أغلب المشاهد والعمق النفسي، حيث يتحول المنزلين البسيطين إلى مسرح لتلاقي الأرواح المرهقة في رحاب الوحدة والاحتياج.
المساحة الضيقة بين المنزلين المتجاورين تبدو وكأنها عالمان منفصلان، كل منهما يحتضن وحدة مختلفة بنبرة صامتة تعلن عن وجع النفس ومرارة الغياب؛ امرأة مسنة تعيش داخل أسوار الوحدة، وتعانق الأيام بصمتها الثقيل، تتردد عليها المرافقات بجمود بعيدا عن البعد الإنساني، وأخرى شابة تشاطرها العزلة في عز حيويتها، بين كلبها الرفيق الوحيد وعالم يفتقر الحنان.
وتلك البساطة في الديكور والمشاهد الخارجية، لا تخدع المشاهد، فكل تفصيلة تحمل ثقل حالة نفسية معقدة، تُرى فيها الحاجة إلى التواصل الإنساني كنداء مكتوم يتصاعد بين جدران الحكاية، حيث تتشابك المصائر بتموجات من الحنان والخذلان.
ويليامز يراهن على الأداء العالي لبطلتيه، فالتمثيل لا يحتل فقط الحيز الحسي، بل يمدنا بحالة ذهنية تأسرنا في صمتها، حيث تتحول الحركة إلى همس والسكوت إلى نازفة تشكل نبض الفيلم الحساس.
حين تتردد المرافقات بين الحضور والغياب، يحاول البطلان أن يعبرا حاجز الوحدة ويتقاسما ذلك الشعور الذي يربطهما بين الأمل والانكسار، لكن الحدث المفاجئ يعلن عن هشاشة الاستقرار عندما يتدخل ابن المسنة الذي يعيش مع أسرته في شمال انجلترا ولا يزورها كثيرا، فتنكسر تلك الرقة ويواجه المشهد نزيفاً دافقاً من الألم والخذلان، دالّة على أن الأمان النفسي هشٌ بين أيدي الغائبين وضغوط الحياة المتراكمة.
"اليعسوب" من الأفلام التي لا يتقاطع فيها العامل النفسي والوحدة فقط، بل هو دراسة متقنة تضع المشاهد في قلب حالة إنسانية تكشف عن تناقضات الوجود، وتعيد تعريف الحدود بين الحركة والصمت، وبين الحضور والغياب، في تحفة سينمائية صغيرة تكبر في صمتها.
والفيلم إنتاج أستراليا وتايلاند ويشارك في المسابقة الرسمية للدورة ٤٦ لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي من إخراج بول أندرو ويليامز وبطولة أندريا رايزبورو "كولين" السيدة الشابة وبريندا بليثين"إلسي" السيدة المسنة وجيسون واتكينز "جون" ابن المسنة ، تأليف بول أندرو ويليامز .

