توافق رؤية مصر وروسيا لحل الأزمات الإقليمية

حرصت مصر وروسيا في السنوات العشر الماضية على التنسيق المشترك والتشاور المستمر بشأن القضايا الملحة إقليميا وعالميا، وبرز ذلك بشكل واضح في المشاورات والاتصالات المستمرة بين وزير الخارجية بدر عبد العاطى ونظيره الروسى سيرجى لافروف في قضايا غزة والسودان وليبيا، والتي كان آخرها هذا الأسبوع.
غزة..توافق مصر روسى لإقامة الدولة الفلسطينية
تعترف روسيا بالدور البارز الذى لعبته مصر ولا تزال من أجل استمرار وقف إطلاق النار في غزة.
وأشادت بجهود القاهرة من أجل وضع حد للحرب الإسرائيلية الوحشية التي استمرت على القطاع لمدة عامين. وخلال زيارته للقاهرة الشهر الماضى، أشاد سيرجي باجينوف، نائب رئيس اللجنة الروسية للتضامن مع شعوب أفريقيا وآسيا، بدور مصر في التوصل إلى وقف لإطلاق النار، وتنظيم قمة السلام في مدينة شرم الشيخ، مؤكدًا دعم روسيا لتحقيق الاستقرار في المنطقة، وفقًا لخطة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
كما تشارك روسيا مصر في رؤيتها بضرورة إقامة دول فلسطينية كحل للصراع المستمر منذ عقود، وخلال الاتصال الهاتفى بين عبد العاطى ولافروف الأحد الماضى، تطرقا إلى الجهود المصرية المستمرة لتثبيت اتفاق شرم الشيخ للسلام، حيث أكد عبد العاطى اهمية المضي قدماً في تنفيذ كافة بنود الخطة التي أُطلقت خلال قمة شرم الشيخ للسلام، والتي توفر مساراً عملياً لتقرير المصير الفلسطيني وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة. وأكد لافروف بدوره وجهة النظر المشتركة حول أهمية التوصل إلى تسوية طويلة الأمد للقضية الفلسطينية، استنادا إلى إطار قانوني دولي راسخ.
وفيما يتعلق بإعادة الإعمار في غزة، أبدت روسيا تقديرها للمساعى المصرية في هذا الشأن، حيث تستضيف القاهرة هذا الشهر مؤتمراً لمناقشة إعادة الإعمار، والذى يعد نقطة رئيسية تحشد لها مصر كافة الأطراف الدولية كى يستعيد الشعبى الفلسطيني في القطاع حقه في الحياة.
وخلال زيارة سيرجى شويجو، أمين مجلس الأمن الروسى للقاهرة هذا الشهر، كانت غزة جزءاً من مباحثاته مع الرئيس السيسى وكبار المسئولين.
ويقول الخبراء إنه على الرغم من أن روسيا ليست لاعباً مركزياً في مسار التفاوض الفلسطيني–الإسرائيلي، فإنها تملك ثقلاً دبلوماسياً كعضو دائم في مجلس الأمن، وقدرتها على استخدام أدوات سياسية ودبلوماسية يمكن أن تشكل رصيداً إضافياً للدور المصري الذي يتحمل العبء الأكبر في إدارة التهدئة، ومنع تصعيد أوسع قد يجر المنطقة إلى مواجهة ممتدة .كما تتمسك القاهرة بمبدأ حل الدولتين باعتباره الإطار الوحيد القابل للحياة لتحقيق سلام عادل ودائم، وهو موقف يحظى بقبول روسي، ويمنح القاهرة مرونة في إدارة جهودها السياسية تجاه الأطراف الدولية، بعيداً عن الاستقطابات الحادة.
ليبيا..موقف مصري روسى مشترك
يعد التنسيق بين مصر وروسيا في الملف الليبى أحد أبرز مجالات التعاون الاستراتيجى بين البلدين خلال السنوات الأخيرة، حيث يرتبط استقرار ليبيا مباشرة بالمصالح الأمنية والاقتصادية لكل من القاهرة وموسكو.
فقد أدرك كلا البلدان أن الفراغ السياسى والعسكرى فى ليبيا بعد 2011 فتح الباب أمام انتشار التنظيمات المتطرفة وازدهار شبكات تهريب السلاح والهجرة غير الشرعية، وهو ما يمس الأمن القومى المصرى على الحدود الغربية، ويؤثر فى الوقت نفسه على مسارات النفوذ الروسى فى البحر المتوسط وشمال أفريقيا.
لذلك، تبنت مصر وروسيا رؤية متقاربة تقوم على دعم مؤسسات الدولة الليبية الموحدة، ورفض تفكك الدولة أو تقسيمها إلى كيانات متصارعة، وتجلى ذلك فى تشديدهما المستمر على ضرورة التوصل إلى تسوية سياسية عبر حوار بين كافة الأطراف الليبية، ودمج الترتيبات الأمنية فى إطار واحد يضمن وحدة الجيش الليبى وقدرته على فرض الاستقرار.
وتتفق مصر وروسيا على ضرورة منع تمدد الميليشيات المتطرفة غرباً وشرقاً، وضبط تدفقات السلاح، ومنع استخدام الأراضى الليبية كنقطة انطلاق لتهديد الدول المجاورة. لذلك، تعزز مصر وموسكو التعاون والتنسيق في هذا الشأن لأن استقرار ليبيا يمثل عنصراً أساسياً فى محاربة الإرهاب فى المنطقة.
ويجمع مصر وروسيا إدراك مشترك بأن استعادة ليبيا لدورها الطبيعى كدولة مستقرة يمثل مصلحة قومية لكلتيهما، ويعزز مكانتهما كفاعلَين رئيسيين فى صياغة التوازنات الإقليمية فى شمال أفريقيا.
السودان
تعرب مصر وروسيا عن رفضهما إقامة «كيانات موازية» في السودان، وتتفق البلدان بشأن ضرورة الحفاظ على وحدة البلاد، بعد سقوط مدينة الفاشر عاصمة إقليم دارفور في غرب السودان تحت قبضة ميليشيات الدعم السريع.
وخلال الاتصال الأخير بين عبد العاطى ولافروف، شدد وزير الخارجية على ثوابت موقف مصر الداعم لوحدة السودان واستقراره، مشيراً إلى الجهود التي تبذلها القاهرة في إطار الآلية الرباعيةبهدف تحقيق التهدئة والتوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار
وشدد الوزير المصري على ضرورة تضافر الجهود الإقليمية والدولية لضمان هدنة إنسانية شاملة وفتح الممرات الآمنة لتسهيل دخول المساعدات إلى المناطق المتضررة، مندداً بالانتهاكات التي شهدتها مدينة الفاشر، معرباً عن قلق مصر من تدهور الأوضاع الإنسانية واستمرارها في تقديم الدعم الإغاثي للسودانيين.

