الدكتور سمير غطاس يكتب : غزة الواقع الاليم

في لحظة سياسية تختلط فيها الدماء بالتصريحات، وتتقاطع فيها خرائط النفوذ فوق أرض أنهكها الحصار والدمار، تبدو المرحلة الثانية من خطة ترامب وكأنها محاولة لخلق واقع جديد في غزة… لكن واقعًا مشوّهًا، ملتبسًا، وقد يكون – للأسف – ولادة متعثّرة لجنين ميت لا يملك أي مقومات للحياة.
ورغم أن مشروع القرار الدولي الخاص بتشكيل قوات الاستقرار الدولي ISF قد يمر خلال أيام قليلة، إلا أن نسخته المعدّلة ما تزال عاجزة عن الإجابة عن أبسط الأسئلة. فوزير خارجية إدارة ترامب، ربيو، يؤكد أن القوات لن تكون قوة تنفيذية.
إذًا، ما وظيفتها؟
هل ستكون قوة مراقبة؟ قوة فصل؟ أم مجرد حرس حدود يُكمل المشهد؟
أين ستنتشر؟ ممن ستتكون؟ من يملك قرارها؟ وما هي صلاحياتها؟
أسئلة مفتوحة، والقرار الدولي مغلق على نفسه، وكأنه صيغ ليخلق وهمًا بالحل لا أكثر.
ولا يقف الغموض عند هذا الحد، فالمسار نفسه يُراد تطبيقه على قوات الشرطة الفلسطينية المزمع تدريبها وتفعيلها. مشروع بلا ضمانات، وإطار بلا محتوى، يُراد له أن يملأ الفراغ بدل أن يحل جذور الأزمة.
أما على أرض غزة، حيث تنطق الوقائع بما لا يريد صناع القرار سماعه، فالمشهد أكثر قسوة ووضوحًا:
نتنياهو يربط الانتقال للمرحلة الثانية باستعادة الجثث الثلاث المتبقية للرهائن، ويمنع البدء بإعادة الإعمار قبل نزع سلاح حماس.
وفي المعسكر الآخر، يخرج موسى أبو مرزوق ليؤكد تمسك الحركة بالسلاح… لا لحماية الشعب أو تحرير الأرض، بل لضمان حماية المستوطنات ومنع تكرار 7 أكتوبر!
وفي هذه اللحظة، يدرك كل مراقب أن المسافة بين الطرفين ليست سياسية فحسب، بل وجودية، وأن الشعب الفلسطيني وحده – كعادته – يدفع الثمن.
ومع انسداد الأفق، يتقدم إلى المسرح سيناريو التقسيم الجغرافي والتقاسم الوظيفي داخل غزة:
– منطقة الصفراء تحت السيطرة الإسرائيلية المباشرة.
– ومنطقة الخضراء تحت سلطة الأمر الواقع ووصاية قطرية – تركية.
والأخطر أن التنفيذ قد بدأ بالفعل؛ إذ تُنصب مدينة الخيام الجديدة في نتساريم، ليست كإغاثة، بل كنموذج قابل للتكرار في عشر مناطق أخرى داخل ما تبقى من القطاع.
هكذا يتحول الوطن إلى مخيم، والبيوت إلى ثلج ذائب، والناس إلى أرقام على قوائم الانتظار.
هذه – بكل مرارتها – هي الحقيقة التي يجب أن تُقال:
المرحلة الثانية من خطة ترامب ليست حلًا، ولا مرحلة انتقالية، بل محاولة لإعادة رسم غزة بطريقة لا تشبه تاريخها ولا شعبها.
ومع ذلك، يبقى الأمل قائمًا بأن يكون هذا المشهد المؤقت محطة، لا قدرًا، نحو حل وطني–عربي–دولي أكثر عدالة وإنسانية، يضع غزة في مكانها الحقيقي: جزءًا حيًا وقويًا من القضية الفلسطينية، لا ساحة تجارب لخطط الآخرين.

