المستشار محمد سليم يكتب : إنتبه أنت ثروة لا تستبدل.. هناك من يرعاه دون أن تدرى

تسألني؟ ما الذي يُطمئن القلب في هذا الزمان الصعب؟ فأردُّ عليك، مُوقنًا بأن أصدق إجابة ليست كلمة تُقال، بل شعور يتسلَّل إلى أعماقك دون استئذان، إنه أن تكون محاطًا بما يشبه الحقيقة النادرة في دنيا مُتشعبة الوجوه والألسنة،أن تعلم أن لك مكانًا لا يُسوَّى بثمن، وأنك مهما تعثرت أو تهت، هناك من يصبر عليك، يحرس طيبتك، ويقرأك حتى حين يختلط بحلقك الكلام.
لا شيء يُضاهي جمال أن تشعر بأنك حاضرٌ في قلوبٍ لا تُقايض وجودك بالظروف،أن تكون مفهومًا قبل أن تشرح، ومُقدّرًا ولو بدا منك عكس ذلك، أن يكون لك نصيبٌ من دفءٍ بشري لا يُسقطك عند الهفوة، ولا يُقدّم عنك بديلًا حين ترهقك التفاصيل، ولا يتخلَّى عنك إذا سقط صوتك في منتصف الحكاية، أنّك حين تُخطئ، هناك صدرٌ يتسع لفوضاك، لا يُخاصمك بقدر ما يربّت على كتفك، ثم ينتظرك لتنهض، متشبثًا بك وكأنك ما زلت كما أنت تمامًا، بل أجمل.
ما أجمل أن تكون مطمئنًا إلى أنك لا تُقال، ولا تتأجَّل في قائمة الانتظار، أن يُشعرك من حولك أنّك، في أصعب حالاتك، ما زلت ثروة لا تُفرط فيها الأيام.
ليس هذا رفاهية، بل أسمى أنواع العطاء الإنساني، أن يكون مقامك محفوظًا ولو لم تكن في أبهى حالاتك، أن تجد نفسك مُحبوبًا رغم فقدانك لبعض بريقك، وأن تشعر بأن روحك صافية حتى لو كانت حزينة، وأن حضورك في الحياة ليس مجرد صدفة، بل قدرٌ مُعتنى به من قلوب اختارتك لأنها تُدركك، لا لأنها مضطرة لوجودك.
في اللحظة التي تعرف فيها أنك لا تُستبدل، تدرك أن العالم رغم قسوته ما زال يحتويك برحمة، وأنّ هناك من يراك بجمالك الخفي، ويتقبلك حتى وأنت في مزاجٍ سيء، أن تشعر بأنك غير مُؤجل، وأنك مُفضَّل لدى قلوبٍ لا تُقلِّبك مع الفصول، ولا تُرتبك حين تراك مُثقلًا بما لا يُقال.
قيمة الإنسان ليست في قوته، بل في مَنْ يقفون معه حين يضعف، في تلك اللحظة التي تعرف فيها أن هناك من يُمسك روحك حين تُهددك الحياة بالسقوط، لا شيء يُشبه أن ترى من يُراهن عليك ولو خسرت كل رهاناتك السابقة، أن تُمنح من الوقت ما يكفي للتعافي، ومن الرحمة ما يكفي لتفهم نفسك، ومن الحب ما يعيد لملامحك دفئها بعد أن أذابها البُعد أو الخذلان.
ووسط كل ذلك، يظل الله صاحب الحكم بين الخلق، يقرب من هنا ويُبعد من هنا، يقطف من قلبك ما يثقل، ويمنح روحك ما يليق بها، وهو العليم بما يصلحنا قبل أن نعرفه، الحكيم فيما يمنح ويمنع، الرحيم حتى في المنع ذاته. فلا تخشَ تبدّل الأقدار، طالما يد الرحمن تقود دربك، وتكتب لك مسارك بخيرٍ لا يخيب.
في نهاية الطريق، تظل هذه الحقيقة وحدها كفيلة بأن تمسح كل ندبة وتشق من الألم أملًا جديدًا، أنك مهما ضعفت أو خانتك الحروف، فإن الله معك، يرزقك من حيث لا تحتسب، ويوهبك أفضل مما تمنَّت روحك، يُهديك نعمة الألفة والمحبَّة، وقلوبًا تراك بعين الرضا والتقدير، فلا تهن، ولا تُقصي نفسك من النِعَم، فـثمة يدٌ تمتد من السماء قبل الأرض، تقول لك كل صباح، "مكانك محفوظ، وخاطرك مُقدَّر.. فقط ثق بي، فأنا الرحمن الرحيم."،وتأكد دائماً،ما دام الله معك، فلن تكون وحيدًا في هذا العالم أبدًا.
كاتب المقال المستشار محمد سليم عضو المحكمة العربية لفض المنازعات وعضو اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس النواب السابق

