الكاتب الصحفى محمود الشاذلى يكتب : التجربه الحزبيه تاريخ عظيم وواقع متردى ومستقبل مظلم فهل من منقذ .

الوطن يمر بمرحلة فيصليه فى تاريخه ، تتعلق بواقعه السياسى والحزبى الذى لم يسجل أنه تعرض لها من قبل ، تلك المرحله تجاوزها ليس مستحيلا ، شريطة تعظيم الأمانه والصدق ، والحديث بصراحه ، وطرح القضايا التى تتعلق بتلك القضيه بموضوعيه ، وتناولها على أسس سليمه ليس فيها غموض ، أو منطلقها يتسم بالخداع ، والتضليل ، والأمانى المستحيلة ، وأن يكون هناك مخلصين يخضعون كل رأى يتعلق بتلك القضيه للدراسه والتحليل ، وإستخلاص النتائج منها للتفاعل معها ، وجعلها واقعا فى الحياه ، دون ذلك نكون كالذى يضحك على نفسه ويخدع ذاته فيجد نفسه فى هوة سحيقه .
إنطلاقا من تلك الغايه النبيله يشير واقع الحال إلى أن الأحزاب السياسيه باتت فى مهب الريح ، والمنظومة الحزبيه باتت مهدده بالزوال المجتمعى ، والإندثار الوجودى ، خاصة بعد أن إنحدرت التجربة الحزبيه وتهاوت ، ولأول مره فى التاريخ السياسى للوطن ومنذ إنشاء الأحزاب السياسيه فى مصر ، ندرك أن الأحزاب أصبحت عديمة الجدوى بلا أى فاعليه ، وبابا لدخول البرلمان لأصحاب رؤوس الأموال ، ورجال الأعمال ، وسيدات المجتمع الراقى فيما كان يسمى فى السابق هوانم جاردن سيتى ، لكن بلغه عصريه ، تتناسب مع المناطق الراقيه المستحدثه ، ويتصدر مشهدها البهوات وساكنى الكمباونتات ، بالمجمل أصبحت للوجاهة والتكسب لمن خرجوا على المعاش من أصحاب المناصب الرفيعة ، كشف عن هذا الوضع المأساوي ماتم رصده بشأن الإنتخابات البرلمانيه ، وما يتعلق بإختيار المرشحين ، والذى إكتنفه عوار شديد شديد طال كيان الأحزاب أنفسهم ، وأعمالهم ، وضعف شديد سيطر على منظومتهم ، بل وإنحراف شديد لأداء تلك المنظومه الحزبيه ، الأمر الذى معه باتت عظيمة الجدوى مجتمعيا وسياسيا ووجوديا .
عمق ذلك هذا الإضطراب الذى طال الأحزاب السياسية جميعها ، وذلك على خلفية ماتم رصده من وقائع كارثيه تتعلق بالملايين التى كانت ثمنا لمقعد بالبرلمان ، والتى كان من نتيجتها تلك الإستقالات الجماعيه من تلك الأحزاب ، التى تصدرت القائمه الإنتخابيه المطلقه ، المسماه بالوطنيه ، والتى هى بمثابة قرار تعيين بالبرلمان ، لعدم وجود قائمه منافسه لها ، وبالدقه إقصاء القائمه المنافسه لها ، تزايد المشهد كارثيه منذ إعلان القبض على رئيس حزب ، ونجله ، وبعض قيادات الحزب ، لتحصلهم علي مبالغ مالية كبيره من الأعضاء بحجة تقديمهم للترشح للبرلمان ، حتى وإن تردد أنه تم تسوية الأمر ، والتصالح بينهم في النيابة العامة ، لكن تظل القضية تمثل إنحدارا خطيرا للحياة الحزبية ، والسياسة تستلزم ضبط إيقاع وفورا ، لعل ذلك يساهم فى إنقاذ مايمكن إنقاذه .
قولا واحدا .. الواقع الحزبى فى مصر الآن أهدر تاريخا طويلا للأحزاب السياسيه ، يرجع لعام 1907 بدء الظهور الأول للأحزاب في بداية القرن العشرين ، وصولًا إلى فترة الملكية التي شهدت تعددًا حزبيًا ، لكن مع هيمنة الإحتلال والتدخل الأجنبي ، وبعد ثورة 1952 تم حل الأحزاب وإقامة نظام الحزب الواحد ، وعادت الحياة الحزبية في مصر رسميًا عام 1977 ، لكن ظل الحزب الوطني الديمقراطي مهيمنًا على الساحة السياسية حتى ثورة 2011 ، والتي تبعها ظهور أحزاب جديدة في ظل نظام سياسي متعدد الأحزاب ، حتى تجاوز عدد الاحزاب الآن المائه ، يتصدر مشهدهم بالكاد ثلاثة أحزاب لكل منه مرجعيه مجتمعيه ، وباقى الأحزاب أصبحت كومبارس بما فيهم الأحزاب التاريخيه .
الخلاصة .. أن مايزيد على مائة حزب هو عدد الأحزاب الآن جميعهم مجرد ديكور ، والغايه من ذلك أن يقال أن لدينا أحزاب ، جميعها أحزاب وصيفه لثلاثة أحزاب يفتخر من فيها أنهم ينتمون لحضن السلطه الدافىء ، ويستحوذون على مقاعد البرلمان التى باتت للوجاهة الإجتماعيه ، تلك الأحزاب تحولت لمكان فخيم يلتقى فيه الوجهاء ، والقيادات الذين يتملكهم الأنا ، وعشق الذات ، ويتعاملون على أساس أنهم أسياد الشعب ، لذا بات من الطبيعى ألا ندرك مواطن بسيط ، أو شخص ينشد الخدمه العامه يقترب من مبنى تلك الأحزاب ، أو يسمح له بمجالسة البهوات ، حتى مؤتمراتها أصبحت تعقد فى القاعات المكيفه بالأماكن الراقيه والفخيمه ، ويطلق فيها العبارات الطنانه الرنانه ، وأصبحت المؤتمرات الشعبيه التى كانت تعقد فى الشوارع والساحات يحتضنها الناس جزءا من التاريخ وبالأدق زمنا مضى وولى .
ألف باء عطاء حزبى وجود لجان نوعيه داخل تلك الأحزاب ، تضم متخصصين ، وخبراء ، ومبدعين ، يناقشون قضايا الوطن ، ويبحثون عن مخرج لمشاكل الناس ، ويقوموا بإعداد الدراسات المتخصصه تلك التى تتعلق بقضايانا الحياتيه ، بل كان بالأحزاب زمان يتم تشكيل حكومات ظل يبدع فيها المنوط بهم ذلك ، ويتسم تناولهم لما يتعلق بتخصصهم بالعمق الشديد ، الٱن تلك الأحزاب أصبحت سمك لبن تمر هندي ، لادراسات ، لاإبداع ، لارؤيه ، جميعها أصبح يقتصر الأداء بها على الحديث الفخيم الذى لاجوى ولاطائل منه ، من يقول بغير ذلك ويزعم وجود تلك اللجان فاليقل لى نتاج عمل تلك اللجان ، وماهى مساهماتهم فى القضاء على المشكلات ، ودورهم فى التصدى للأزمات .
مرجع تلك الرؤيه كونى أحد المحللين السياسيين بحكم تخصصى الصحفى فى الشئون السياسيه والبرلمانيه والأحزاب ، وأحد الصحفيين الرواد بنقابة الصحفيين بعد أن تجاوزت عامى الأربعين فى بلاط صاحبة الجلاله ، ونائب بالبرلمان ، وممارس للعمل السياسى منذ عام 84 والذى فيها رغم أننى كنت شابا إلا أننى كنت أجالس الزعماء ، والقادة فى القلب منهم فؤاد باشا سراج الدين الزعيم التاريخى ، والقيمه الكبيره الدكتور وحيد رأفت ، وإبراهيم باشا فرج ، والدكتور نعمان جمعه ، والدكتور عبدالحميد حشيش ، وعلى سلامه ، وطلعت رسلان الذى صفع وزير الداخليه زكى بدر بالبرلمان عندما تطاول على قادة الوفد ، أحزاب كانت تخرج قيادات ، وتفرز مبدعين ، الٱن لايستطيع عضو الحزب أو لمجرد التفكير أن يقابل قياده حزبيه ويجلس معها على مائدة حوار ، أحزاب فيها قيادات حديثى عهد بالسياسه لايستطيعوا أن يفرزوا جيل ثانى وثالث من القيادات الحزبيه ، لأنهم أنفسهم غير مؤهلين ، فتم إسناد الأمر لمراكز متخصصه تقوم بإعداد القيادات السياسيه الكيوت ، دون إدراك أن الممارسه والعطاء والإحتكاك هم من يفرزوا القيادات الشعبيه والحزبيه وليس الدراسات والمحاضرات والندوات .
خلاصة القول .. التجربه الحزبيه تاريخ عظيم ، وواقع متردى ، ومستقبل مظلم ، فهل من منقذ . نعــم هناك منقذ لكن لتحقيق ذلك يتعين على هؤلاء جميعا ، وراسمى سياسات تلك الأحزاب أن يفيقوا ، ويغادروا تلك الأماكن الفخيمه ، وينزعوا الكرافتات التى يرتدونها ، وينتقلوا إلى الناس عبر بساطه فى التنقل لاعبر سيارات فخيمه يصل قيمة السياره بالملايين للقاء بسطاء غلابه مهمشين ، هم المكون الرئيسى للوطن ، وأصل هذا الشعب ، ليس لديهم ثمن رغيف الخبز ، ويلتحموا بالناس ويلتقوهم فى الشوارع والطرقات ، ويجالسوهم على المصاطب ، ويلتحموا بالجماهير فى كل مكان ، خاصة فى الأزقه ، والحوارى ، ويقتربوا منهم بجد قبل أن نصل لمنعطف خطير يدرك معه الناس جميعا أن زوال تلك الأحزاب هو المنطلق الحقيقى للتقدم والإزدهار .

