المستشار محمد سليم يكتب: الانذار الاخير قبل فوات الأوان صناعة قصب السكر في الصعيد تحتضر والدولة مطالبة بإنقاذها فورًا

من منطلق المسؤولية الوطنية ومن خبرة تمتد لأكثر من عشرين عامًا في مجال زراعة وصناعة قصب السكر، وبعد أن تناولت هذه القضية مرارًا أثناء عملي نائبًا بمجلس النواب مدافعًا عن حقوق المزارعين ومطالبًا بدعم المصانع الوطنية، أجد نفسي اليوم مضطرًا لدق ناقوس الخطر مجددًا، محذرًا من المصير المجهول الذي يواجه هذه الصناعة العريقة التي تمثل عصب الحياة في صعيد مصر، وبالأخص في كوم أمبو التي كانت ولا تزال القلب النابض لصناعة السكر المصرية.
لقد حذّرت مرارًا من التدهور الذي يقترب بخطوات سريعة من مصانعنا الوطنية، لكن الصمت الرسمي وغياب الرؤية جعل الأزمة تتفاقم حتى أصبحت المصانع تعمل على حافة الانهيار، تضطر إلى السحب على المكشوف من البنوك لتغطية رواتب العمال وثمن الوقود والتزاماتها تجاه المزارعين. هذه المصانع التي كانت عنوانًا للفخر والإنتاج تحوّلت إلى كيانات مثقلة بالديون ومهددة بالإغلاق، والمزارع الذي كان يملأ الأرض عملًا وجد نفسه بين مطرقة الغلاء وسندان التجاهل.
إن كوم أمبو — التي كانت ذات يوم قلعة الصمود والإنتاج — تواجه اليوم معركة وجود حقيقية. آلاف الأسر التي تعيش على زراعة القصب وصناعته تترقب بقلق ما سيحدث، والمزارع البسيط يواصل الكفاح رغم تراجع العائدات، مؤمنًا بأن الدولة لن تتخلى عنه، وأن مصر التي حفظت كرامته على مدار تاريخها لن تتركه يواجه مصيره وحده.
ولعل الأخطر من كل ذلك هو الاستيراد المفرط للسكر الخام والمكرر الذي أغرق الأسواق وأصاب الصناعة الوطنية في مقتل. كيف يمكن لمصانعنا الوطنية أن تصمد أمام منافسة غير عادلة مع منتجات أجنبية مدعومة؟ كيف نسمح لأنفسنا أن نقتل بأيدينا صناعة كانت — ولا تزال — مصدر الأمن الاقتصادي لمحافظات الصعيد بأكملها؟
إننا نطالب الدولة المصرية بإجراءات عاجلة، تبدأ بتحديد سعر عادل للقصب يضمن حياة كريمة للمزارع، وإعادة هيكلة ديون المصانع ودعمها ماليًا وفنيًا، ووضع ضوابط صارمة على الاستيراد لحماية الصناعة الوطنية، وإطلاق خطة تطوير شاملة لمصانع السكر، بما يعيدها إلى مكانتها المستحقة كأحد رموز الإنتاج الوطني.
وهنا، لا يمكن أن نتحدث عن الإنقاذ دون أن نوجّه كلمة حق للرئيس عبد الفتاح السيسي، القائد الوطني الذي غيّر وجه مصر الحديثة، والذي أثبت للعالم أن الإرادة السياسية القوية قادرة على تحويل المستحيل إلى واقع. لقد أعاد الرئيس السيسي بناء الدولة المصرية على أسس من العمل والصدق والانتماء، وأطلق مشروعات عملاقة في الزراعة والصناعة أعادت الثقة للمزارع المصري بعد عقود من الإهمال.
لقد كان الرئيس السيسي — ولا يزال — نصير الفلاح المصري الأول، يحمل همومه ويستجيب لاحتياجاته بقرارات واقعية وشجاعة، فهو القائد الذي لا يعرف التردد حين يتعلق الأمر بمصلحة الوطن، والرجل الذي يقف إلى جانب العامل والمزارع والفني والمهندس، يؤمن بأن قوة مصر في سواعد أبنائها. لقد رأينا كيف تحققت في عهده طفرة غير مسبوقة في مشروعات الري والزراعة واستصلاح الأراضي، وكيف أصبحت الدولة المصرية تمتلك رؤية واضحة للأمن الغذائي بعد سنوات من الاضطراب، ونحن على يقين أن عنايته واهتمامه بهذا الملف ستشمل قريبًا ملف صناعة السكر في الصعيد، لأنه يدرك أن استقرار هذه الصناعة هو استقرار لمجتمع كامل يعيش عليها.
إن ثقتنا في حكمة الرئيس السيسي راسخة، فهو القائد الذي لا يتأخر عن تلبية نداء الوطن حين يتعلق الأمر بمستقبل المصريين، ونحن نضع أمامه هذه الحقيقة المؤلمة لأننا نعلم أنه الرجل القادر على تحويل الأزمة إلى قصة نجاح جديدة تُضاف إلى سجل إنجازاته الوطنية التي يشهد بها القاصي والداني.
لقد تناولت هذه القضية مرارًا في البرلمان وفي لقاءاتي مع المزارعين وقيادات الدولة، وقلت وقتها إن تجاهلها سيكون ثمنه باهظًا، وها نحن اليوم نعيش نتائج ذلك التحذير. لذلك فإن التحرك العاجل أصبح واجبًا وطنيًا لا يحتمل التأجيل.
إن صناعة السكر ليست مجرد أرقام وإنتاج، بل هي قضية كرامة وطنية، ومصدر رزق كريم لأبناء الصعيد، ومؤشر على قوة مصر الإنتاجية. ونحن على يقين أن القيادة السياسية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي ستتخذ ما يلزم من قرارات جريئة وحاسمة لإنقاذها، كما فعلت في كل معركة تنموية خاضتها الدولة من أجل شعبها العظيم.
قصب السكر ينادي وقلوب المزارعين في الصعيد تترقب قرار الإنقاذ فهل تتحرك الحكومة قبل أن يصبح الحديث عن هذه الصناعة العريقة مجرد ذكرى مؤلمة في كتب التاريخ - ثقتنا في الرئيس السيسي — بعد الله — لا حدود لها، لأنه دائمًا ما يثبت أن مصر أولًا- والمصري فوق كل اعتبار.
كاتب المقال المستشار محمد سليم عضو المحكمة العربية لفض المنازعات وعضو اللجنة الدستورية والتشريعية بمجلس النواب السابق والخبير الاستراتيجى فى زراعة وصناعة السكر