بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

لماذا يرتكب بعض الأطفال جرائم عنيفة؟.. محمد المهدي يجيب

الدكتور محمد المهدي أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر
ايمي حمدى -

قال الدكتور محمد المهدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة الأزهر، إنّ الجهات المختصة — من خبراء جريمة وعلم نفس وقانون — بدأت تفتح «الصندوق الأسود» لحوادث العنف الشنيع التي يرتكبها أطفال، لمعرفة ماذا حدث لهم ولماذا انفجروا بهذه الصورة، مشدِّدًا على أن الفهم الدقيق لهذه الحالات هو السبيل لوضع احتياطات تمنع تكرارها.

أوضح الدكتور المهدي، خلال حلقة برنامج "راحة نفسية"، المذاع على قناة الناس ، أن تحليل حالات كثيرة كشف علاقة وثيقة بين ارتكاب الجرائم البشعة من قِبَل أطفال والتعرُّض السابق للاستهزاء، أو الإيذاء، أو التحكم، أو العدوان اللفظي أو الجسدي، وحتى الاعتداء الجنسي. وأضاف أن مصطلح «التنمر» (bullying) أصبح شائعًا بعد هذه الحوادث، وأن التوعية ضده ضرورة خاصة في المدارس والبيوت.

وأشار إلى أن الضحية في كثير من الأحيان هو الطفل الضعيف أو المختلف — لونًا، أو بنية، أو انتماءً اجتماعيًا أو دينيًا — ما يجعل السخرية منه والعزل والاستهزاء أمورًا متكررة تدخِل الطفولة في حلقة من الغضب المكبوت والطاقة العدوانية التي قد تنفجر لاحقًا.

ونوَّه الدكتور المهدي بأن التنمر لا يقتصر على المدرسة فقط، بل قد يحدث داخل البيت: سخرية، إطلاق أسماء سيئة، نكات جارحة، أو تهميش — كل هذا يترك أثرًا عدوانيًا داخل نفس الطفل. كما بيّن أن الضرب المتكرر أو الإيذاء الجسدي لا يؤدِّيان إلى تربية أفضل؛ بل يشرّعان العنف كوسيلة تواصل وتفاعل.

عرض أستاذ الطب النفسي قائمة علامات مبكرة يجب أن ينتبه لها الأهل كدلالات احتمال ميل نحو العنف، منها: العناد المفرط، فرط الحركة، انتهاك حقوق الآخرين وسرقة أشياء، الاستفزاز المتكرر، العنف تجاه الحيوانات، حمل أدوات حادة أو أسلحة صغيرة، إيذاء الآخرين عمدًا، وعدم احترام قواعد اللعب والمجموعات، الهروب المتكرر من المدرسة، والتشرد أو البقاء خارج البيت لساعات طويلة.

وأكد أن هناك حالات مرضية نفسية تتطلّب تقييمًا وعلاجًا تخصصيًا — مثل اضطرابات السلوك، واضطراب فرط الحركة مع تشتت الانتباه (ADHD)، واضطرابات الانضباط — والتي قد تحتاج إلى علاج دوائي، علاج نفسي فردي وجماعي، وعلاج أسري. وعلى هذا الأساس، يجب تحويل الأطفال ذوي السلوك العدواني المتكرر إلى أطباء نفسيين لتقييم شامل ووضع خطة علاجية.

أما بالنسبة للإجراءات التربوية والوقائية فحدّد الدكتور المهدي أسسًا مهمة: التوقف فورًا عن العقاب البدني واللفظي لأنه يعطّل النمو الأخلاقي ويشرّع العنف؛ وتهيئة بيئة أسرية هادئة حيث تكون علاقة الأب والأم نموذجًا للهدوء والتفاهم؛ وعدم عرض الطفل لنماذج عدوانية في البيت (كالضرب بين الزوجين أو إهانة الأم). كما اقترح استبدال العقاب البدني بوسائل تربوية بديلة مثل حرمان مؤقت من المصروف أو تأجيل متعة مرغوبة، مع مكافآت عند الالتزام.

ودعا الدكتور محمد المهدي المجتمع إلي أن نرفع وعينا بالتنمر والإيذاء داخل المدارس والبيوت، ننتبه لبوادر العنف المبكرة، ونوظف الموارد العلاجية والتربوية بدلًا من الصمت أو التبرير. فالتدخل المبكر وصون كرامة الطفل قد يكونان الفارق بين مستقبل آمن ومأساة لا رجعة عنها.