بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

عقل بدائي في عالم حديث.. كيف يُبقيك دماغك في حالة تأهّب دائم؟

القلق المستمر
داليا فوزي -

رغم أننا نعيش في عصر التكنولوجيا والراحة، إلا أن أدمغتنا لا تزال تعمل كما لو كنا في الغابات نصطاد من أجل البقاء، فمشاعر القلق المستمر، والتفكير في أسوأ الإحتمالات، والاستجابة المفرطة للمواقف البسيطة، ليست ضعفًا في الشخصية، بل نتيجة لآلية تطورية قديمة ما زالت تتحكم فينا.

نقدم لكم تقرير عن موقع "Psychology Today" يشرح كيف يعمل "نظام الإنذار البدائي" في عقولنا، ولماذا يصعب علينا إيقافه، وكيف يمكننا إعادة برمجة أدمغتنا لتتكيّف مع العصر الحديث.

يشير العلماء إلى أن الدماغ البشري ما زال يحتفظ بآليات دفاعية تطورت منذ آلاف السنين حين كانت الحياة مليئة بالمخاطر. ففي العصور الحجرية، كان البقاء مرهونًا بقدرة الإنسان على رصد الخطر فورًا، كصوت حيوان مفترس في الظلام.

هذا الميل إلى توقع الأسوأ كان ميزة تطورية حينها، لكنه أصبح في العصر الحالي عبئًا نفسيًا يُترجم إلى توتر وقلق مزمن.

تُظهر دراسات علم الأعصاب أن الدماغ يتفاعل مع المحفزات السلبية أسرع من الإيجابية، بفضل منطقة اللوزة الدماغية التي تعمل كجرس إنذار دائم. هذه المنطقة تُفعّل استجابة "القتال أو الهروب"، فتُغرق الجسم بهرمونات التوتر مثل الأدرينالين والكورتيزول، حتى لو كان الموقف مجرد رسالة إلكترونية لم يُرَدّ عليها بعد.

ويصف الباحثون هذا النمط بـ"مبدأ كاشف الدخان"، أي أن جهاز الإنذار في الدماغ يُفضّل إطلاق التحذير الزائف على أن يُخاطر بتجاهل خطر حقيقي. لكن في حياتنا اليومية الحديثة، تحوّل هذا الإنذار إلى مصدر دائم للضغط النفسي. فبدل أن يُنقذنا من النمور، يُطلق إنذاره عند كل إشعار على الهاتف أو تعليق في العمل.

ويحذر الخبراء من أن استمرار هذا التوتر له ثمن جسدي ونفسي كبير، إذ يؤدي إلى اضطرابات في القلب والجهاز الهضمي، وضعف المناعة، بالإضافة إلى مشكلات في التركيز والعلاقات الاجتماعية. كما قد يتطور إلى ما يُعرف بـ"الشلل بالتحليل"، أي التفكير الزائد الذي يمنع الإنسان من اتخاذ القرارات.

لكن الأمل موجود، إذ يوضح التقرير أن الدماغ يمكن إعادة تدريبه بفضل اللدونة العصبية، أي قدرته على التغيير المستمر.

ويقترح الخبراء ثلاث خطوات بسيطة لكنها فعّالة:

- الوعي بالمشكلة: التعرف على لحظة القلق وتسميتها بوضوح، مثل القول "هذا مجرد تحيز سلبي".

- إعادة الصياغة: التفكير في تفسيرات أخرى للموقف بدلاً من السيناريو الأسوأ، كأن يفترض الشخص أن زميله مشغول وليس متجاهلًا.

- التركيز على الإيجابيات: تخصيص لحظات قصيرة للاستمتاع بالنجاحات الصغيرة، مما يُعيد التوازن إلى الدماغ ويُعزز الشعور بالرضا.

إلى أن نظام الخطر في عقولنا ليس عدواً، بل إرث تطوري كان يوماً سبباً في بقائنا. إلا أن البقاء في عصر اليوم لا يعتمد على الهروب من النمور، بل على تهدئة هذا الإنذار الداخلي والتعامل بوعي مع ما يثيره من قلق. بهذه الطريقة فقط، يمكننا أن نعيش بسلام في عالم لم يعد يشبه الغابة التي وُلد فيها دماغنا.