بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

إغلاق الحكومة الأمريكية يقترب من كسر الرقم القياسي وسط تصاعد خلافات سياسية

ترامب
القسم الخارجي -

يقترب الإغلاق الحكومي الفيدرالي في الولايات المتحدة بسرعة من أن يصبح ثاني أطول إغلاق في التاريخ، دون أي مؤشرات على قرب نهايته، في وقت يتوقع فيه بعض المشرعين الأمريكيين أن يتجاوز أطول مدة سابقة في التاريخ والتي بلغت 35 يوما خلال حدثت خلال الولاية الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب .

وذكرت وكالة "أسوشيتيد برس" الأمريكية أن إدارة ترامب تستغل الإغلاق الحالي لتعزيز أولوياتها السياسية ومحاولة تفكيك البرامج الحكومية التي لا تتوافق مع توجهاتها، بينما يصرّ الديمقراطيون على أن أي مشروع قانون لتمويل الحكومة يجب أن يتضمن مساعدات للملايين من الأمريكيين الذين قد يفقدون تغطيتهم التأمينية الصحية أو يواجهون ارتفاعا حادا في أقساطهم الشهرية إذا لم يتحرك الكونجرس لمعالجة الأزمة.

وبدأ الإغلاق في الأول من أكتوبر، وبالفعل بدأت آثاره في الظهور على الموظفين والاقتصاد والخدمات الحكومية، حيث كشفت أحدث البيانات أن الحكومة الفيدرالية كان يعمل بها نحو 2.3 مليون موظف مدني حتى 31 مارس، وقدّر مكتب الميزانية في الكونجرس أن حوالي 750 ألفا منهم يُجبرون على إجازة غير مدفوعة الأجر يوميا خلال فترة الإغلاق، أي أنهم لا يذهبون إلى العمل حتى انتهاء الأزمة، بينما يواصل آخرون مهامهم كموظفين "مستثنين" نظرا لارتباط عملهم بحماية الأرواح والممتلكات وتقديم الخدمات الأساسية.

وأوضحت الوكالة أن كلا الفريقين سيحصل في نهاية المطاف على أجورهم بأثر رجعي، ما يعني أنهم سيواجهون احتمال فقدان راتب كامل هذا الشهر بعد حصولهم على راتب جزئي عن أعمال أُنجزت في أواخر سبتمبر .

أما أفراد القوات المسلحة البالغ عددهم 1.3 مليون جندي، فقد حصلوا على إعفاء مؤقت من تبعات الإغلاق بعدما وجّه ترامب وزارة الدفاع لإعادة توجيه الأموال اللازمة لدفع رواتبهم، إلا أن حصولهم على إعفاء ثاني يبدو أمرا غير مرجح.

وبحسب تقديرات مكتب الميزانية في الكونجرس التي طلبتها السناتور الجمهورية جوني إرنست، تبلغ تكلفة دفع رواتب الموظفين المفصولين مؤقتا أثناء بقائهم في منازلهم نحو 400 مليون دولار يوميا، وهو عبء إضافي على دافعي الضرائب.

وفي خطوة أثارت جدلا واسعا، تسعى الإدارة الجمهورية إلى فصل آلاف الموظفين الفيدراليين العاملين في وكالات لا تتماشى مع أولوياتها السياسية، وقال قادة الحزب الجمهوري في الكونجرس إن ذلك يعد جزءا من تداعيات الإغلاق، إلا أن رؤساء سابقين لم يلجأوا إلى استخدام الإغلاق كذريعة لتسريح جماعي للموظفين.

وأعلنت الإدارة عن أول تقليص للقوى العاملة شمل 4100 موظف، تركزت التخفيضات الكبرى في وزارات الخزانة، والصحة والخدمات الإنسانية، والتعليم، والإسكان والتنمية الحضرية، وأوضح مدير الميزانية في البيت الأبيض روس فويت أن عمليات تسريح أخرى قادمة قائلا: "أعتقد أننا سنصل إلى أكثر من عشرة آلاف"، مضيفا: "نريد أن نكون أكثر جرأة في إغلاق البيروقراطية حيثما أمكن، ليس فقط التمويل بل المنظومة البيروقراطية نفسها، وهذه فرصة للقيام بذلك".

وأصدر قاضي فيدرالي قرارا مؤقتا بوقف هذه الإقالات، معتبرا أن الخطوة ذات دوافع سياسية وتم اتخاذها دون دراسة كافية، ومن جانبها أكدت المتحدثة باسم البيت الأبيض كارولاين ليفيت أن الإدارة "واثقة بنسبة 100%" من انتصارها في الدعاوى القانونية المقبلة.

ويقرّ المشرعون بأن الكثير من الموظفين الفيدراليين يعيشون من راتب إلى آخر وسيتعرضون لضغوط مالية شديدة خلال فترة الإغلاق، ما دفع بعض بنوك الطعام المحلية إلى تكثيف جهودها لدعمهم، وأعلنت "بنك الطعام لمنطقة العاصمة" مثلا عن تنظيم توزيعات غذائية إضافية في منطقة واشنطن اعتبارا من الاثنين المقبل لمساعدة الموظفين الحكوميين والمقاولين المتضررين.

وعلى الصعيد الاقتصادي، أظهرت الإغلاقات السابقة تأثيرا محدودا نسبيا، إذ تؤدي إلى تباطؤ مؤقت في النمو خلال الربع الذي يقع فيه الإغلاق، يعقبه عادة تسارع طفيف في النمو خلال الربع التالي لتعويض الخسائر، وقدرت مؤسسة "أوكسفورد إيكونوميكس" أن كل أسبوع من الإغلاق يخفض النمو الاقتصادي بنسبة تتراوح بين 0.1 و0.2 نقطة مئوية، فيما يمكن أن يؤدي إغلاق يستمر طوال الربع المالي كاملا، وهو ما لم يحدث من قبل، إلى خفض النمو بين 1.2 و2.4 نقطة مئوية.

وتتأثر بعض القطاعات أكثر من غيرها؛ إذ أعلنت "جمعية السفر الأمريكية" أن الاقتصاد السياحي يخسر نحو مليار دولار أسبوعيا نتيجة تغيّر خطط المسافرين الراغبين في زيارة الحدائق الوطنية والمواقع التاريخية والعاصمة واشنطن، حيث أُغلقت العديد من المرافق مثل متاحف مؤسسة سميثسونيان وحديقة الحيوان الوطنية أمام الزوار.

كما أوضحت "غرفة التجارة الأمريكية" أن "إدارة الأعمال الصغيرة" عادة ما تقدم قروضا بقيمة 860 مليون دولار أسبوعيا لنحو 1600 شركة صغيرة، إلا أن هذه البرامج توقفت عن قبول طلبات جديدة بسبب الإغلاق، كما تعطلت عمليات إصدار وتجديد بوالص التأمين ضد الفيضانات، ما تسبب في تأخير إغلاق الرهونات العقارية والصفقات العقارية.

وفي قطاع الطيران، أفادت "إدارة الطيران الفيدرالية" بوجود نقص في المراقبين الجويين في مدن أمريكية عدة من بوسطن وفيلادلفيا إلى أتلانتا وهيوستن، مما أدى إلى تأخيرات في الرحلات امتدت إلى مطارات ناشفيل ودالاس ونيوارك وغيرها.

وعلى الصعيد السياسي، يشير التاريخ إلى أن الحزب الذي يربط تمويل الحكومة بشروط سياسية لا يحقق مكسبا يذكر، كما حدث للجمهوريين في عامي 2013 و2018، وحتى الآن لا يبدو أن أيا من الطرفين مستعد للتنازل، إذ تظل المواقف متصلبة.

وأظهرت استطلاعات "مركز أسوشيتد برس – نورك لأبحاث الشؤون العامة" أن الرأي العام الأمريكي منقسم بشأن الجهة المسؤولة عن الأزمة، حيث يرى نحو 60% من البالغين أن ترامب والجمهوريين في الكونجرس يتحملون "قدرا كبيرا" من المسؤولية عن الإغلاق، بينما يحمّل 54% المسؤولية نفسها للديمقراطيين في الكونجرس، وقد تتغير هذه الانطباعات العامة تبعا للمدى الذي ستستخدم فيه الإدارة الإغلاق لتقويض أولويات الديمقراطيين ومشروعات الولايات والمدن ذات الأغلبية الديمقراطية.

وجمدت إدارة ترامب حتى الآن نحو 18 مليار دولار كانت مخصصة لمشروع نفق سكة حديد جديدة تحت نهر هدسون بين نيويورك ونيوجيرسي، وتمديد الخط الثاني لقطار الأنفاق في المدينة، كما ألغت منحا بقيمة 7.6 مليار دولار كانت تموّل مئات مشروعات الطاقة النظيفة في 16 ولاية جميعها صوّتت للمرشحة الديمقراطية كامالا هاريس في الانتخابات الرئاسية الماضية، رغم أن الإدارة بررت الخطوة بأسباب لا تتعلق بالإغلاق.

وفي خضم هذا الجمود، لا تلوح في الأفق نهاية سهلة للأزمة؛ إذ يتمسك الجمهوريون بموقفهم الرافض لأي مفاوضات بشأن الرعاية الصحية قبل إعادة فتح الحكومة بالكامل، حيث قال زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ جون ثيون: "لن نجري مفاوضات ونحن في وضع رهينة"، وفي المقابل قال زعيم الديمقراطيين في مجلس النواب حكيم جيفريز من نيويورك إن حزبه "لن ينحني ولن ينكسر، لأننا ندافع عن الشعب الأمريكي".