د .حماد الرمحي في ندوة الجرائم الإلكترونية: الذكاء الاصطناعي أداة للجريمة ودليل رقمي للعدالة

قال الدكتور حماد الرمحي، خبير التحول الرقمي وتكنولوجيا الذكاء الاصطناعي، إن الأدلة الجنائية الرقمية أصبحت الأداة الفعالة لمواجهة الجرائم الإلكترونية (Cybercrimes) التي تفاقمت أعدادها وأنواعها خلال الفترة الماضية.
جاء ذلك في كلمته أثناء مشاركته في ندوة علمية تحت عنوان «الجرائم الإلكترونية وتقنيات الأدلة الجنائية الرقمية» بمقر الجمعية المصرية للاقتصاد السياسي والإحصاء والتشريع، تحت رعاية مؤسسة خطاب للقانون، وبحضور المستشار نصر خطاب رئيس المؤسسة، والدكتور صلاح يسن المحامي، والدكتورة حنان البابلي المحامي بالنقض وشيماء حبيب وسماح يحي وحسام العقاد، وعدد من أساتذة القانون وخبراء التكنولوجيا والإعلام.
وأضاف الدكتور الرمحي أن الجرائم الإلكترونية لم تعد مجرد ظاهرة طارئة، بل أصبحت تهديدًا حقيقيًا للأمن القومي والاجتماعي والاقتصادي في العالم، مشيرًا إلى أن الذكاء الاصطناعي تحول إلى سلاح ذي حدين؛ يُستخدم في ارتكاب الجرائم كما يُستخدم في كشفها وإثباتها، لافتًا إلى أن التطور السريع في تقنيات مثل Deepfake وPhishing Attacks جعل من الصعب أحيانًا التفرقة بين الحقيقة والزيف في الفضاء الرقمي.
وأوضح أن الجرائم الإلكترونية تتضاعف بوتيرة غير مسبوقة، حيث تشير تقارير دولية حديثة إلى أن الخسائر الاقتصادية العالمية الناتجة عن تلك الجرائم بلغت نحو 9.22 تريليون دولار خلال عام 2024، ومن المتوقع أن تتجاوز 10 تريليونات دولار في عام 2025، من إجمالي الاقتصاد العالمي الذي يقدر بنحو 110 تريليونات دولار أمريكي في عام 2024 وفق بيانات صندوق النقد الدولي (IMF).
وأشار «الرمحي» إلى أن الجرائم الرقمية تحتل المرتبة الثانية في تصنيف الجرائم العالمية بعد تجارة المخدرات، وتعتبر ثاني أكبر اقتصاد غير مشروع في العالم، وأن متوسط الخسارة الناتجة عن تسريب بيانات في مؤسسة واحدة تجاوز 4.8 مليون دولار سنويًا (Data Breach Cost)، وهو رقم يعكس عمق الخطر الذي تواجهه الحكومات والشركات والأفراد في عصر الاعتماد الكلي على الفضاء الرقمي.
وأشار إلى أن مصر أصبحت هدفًا متزايدًا لتلك الجرائم، إذ تحتل وحدها نحو 13 في المئة من إجمالي الهجمات الإلكترونية (Cyber Attacks) في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، وفق تقارير أمنية دولية، موضحًا أن أنماط الجرائم المنتشرة تشمل الاحتيال المالي، والابتزاز الإلكتروني، وانتحال الهوية (Identity Theft)، والاختراقات الموجهة للبنى التحتية الحيوية، والتجسس على المعلومات والبيانات الحساسة.
وبيّن خبير التحول الرقمي أن خطورة هذه الجرائم لا تكمن في خسائرها المالية فحسب، وإنما في أبعادها النفسية والاجتماعية، حيث تشير الدراسات إلى أن أكثر من 60 في المئة من ضحايا الجرائم الإلكترونية يعانون من اضطرابات نفسية كالقلق وفقدان الثقة والاضطراب الاجتماعي، نتيجة ما يتعرضون له من ابتزاز وتشويه وتهديدات رقمية.
وفي السياق المحلي، أشار الدكتور الرمحي إلى أن 31 في المئة من مستخدمي الخدمات البنكية والمدفوعات الرقمية (Digital Payments) في مصر تعرضوا لخسائر مالية أو لاختراق بياناتهم، وهو ما يعكس الحاجة إلى رفع الوعي الأمني وتطوير التشريعات الخاصة بحماية البيانات الشخصية (Data Protection Laws).
وأكد الدكتور الرمحي أن مواجهة هذه الجرائم لا يمكن أن تتحقق إلا عبر تطوير منظومة متكاملة من الأدلة الجنائية الرقمية (Digital Forensics System)، باعتبارها الركيزة الجديدة لتحقيق العدالة في العصر الرقمي، مشيراً إلى أن الأدلة الرقمية لا تقتصر على الصور أو الملفات النصية، بل تشمل كل أثر إلكتروني يمكن تتبعه وتحليله، بدءًا من رسائل البريد الإلكتروني وسجلات الدخول والخروج من الأنظمة، وصولًا إلى بيانات الهواتف الذكية ومعاملات Blockchain، مشددًا على أهمية توثيق سلسلة حفظ الأدلة أو ما يُعرف بـ"Chain of Custody" لضمان نزاهتها أمام القضاء.
وأوضح أن التحقيق الجنائي الرقمي يتطلب خبرات تقنية متخصصة وأدوات تحليل متقدمة تشمل برامج استعادة البيانات المحذوفة، وتحليل الشبكات، وفك شفرات البرمجيات الخبيثة (Malware Analysis)، واستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي للتعرف على أنماط السلوك الإجرامي، مؤكدًا أن الذكاء الاصطناعي نفسه أصبح اليوم أداة مركزية في التحقيقات الرقمية كما هو في الجرائم التي تُرتكب من خلاله.
وفي ختام كلمته، شدد الدكتور حماد الرمحي على أن المعركة ضد الجرائم الإلكترونية ليست معركة تقنية فحسب، بل هي معركة وعي وثقافة وتشريع، تتطلب تضافر الجهود بين الخبراء والأجهزة التنفيذية والهيئات الأكاديمية، مؤكدًا أن العدالة في العصر الرقمي لن تتحقق إلا بفهم لغة التكنولوجيا واستخدام أدواتها بوعي ومسؤولية.
وأضاف أن التحول الرقمي والأدلة الجنائية الإلكترونية يمثلان خط الدفاع الأول عن سيادة القانون وكرامة الإنسان في زمن الثورة الرقمية، داعيًا إلى وضع استراتيجية وطنية شاملة للأمن الرقمي والتحول القضائي الذكي (Smart Judicial Transformation) تقوم على دمج الذكاء الاصطناعي في منظومة العدالة، وتحويل القضاء إلى قضاء رقمي عادل وسريع وشفاف يواكب تحديات المستقبل.