عمرو دياب.. طوابير شارع البطل وكورنيش إسكندرية ورنة محمول

أعتبر نفسي من المحظوظين بمعايشة تلك اللحظات الخاصة والاستثنائية، التي لا يمكن نقلها بمجرد كلمات بسيطة تصف مدى السعادة وقيمة الهوية الموسيقية التي صنعها النجم عمرو دياب على مدار تجربته الفنية مع أبناء جيلنا، الذي كان ينتظر في صيف كل عام لصدور ألبومه الجديد.. تلك الهوية التي أكد عليها عمرو دياب ب «شريط الكاسيت».
كانت التسعينات هي مرحلة الوهج والنضوج للنجم عمرو دياب، والتي ثبت بها أركان جماهيريته وشعبيته الكبيرة، مرحلة نقل بها «الهضبة» كما يلقبه محبيه تجربته الفنية لمرحلة جديدة من التطور الذي يواكب الدخول في عقد يقترب من حلول الألفية التي لاشك أنها ستحمل معها كثير من التطورات.
هنا أدرك عمرو دياب الذي يتمم عامه الـ 64 اليوم «١١ أكتوبر»، أن التجربة بحاجة لتخليق هوية موسيقية وسمعية يستطيع من خلالها التأسيس لعلاقة خاصة مع الجمهور، بالعمل على مشروع فني تكامل، ليقدم تجربة جديدة لجمهوره تمزج بين التجدد في الألحان التي كان الجيتار ركنا أساسيا بها ممزوجا بالإيقاعات الشرقية، وبين خلق صورة بصرية تظل محفورة في ذاكرة الجمهور بتقديم كليبات تحمل قدر كبير من البهجة والمتعة البصرية، ولعل أغنية «نور العين» للملحن الليبي ناصر المزداوي التي حملت عنوان الألبوم الصادر في منتصف تسعينات القرن الماضي كانت هي بداية الإنطلاقة المتجددة لتجربة عمرو دياب التي أحدث بها حينها نقلة في الوسط الغنائي وفي سوق الكاسيت المصري تحديدا.
طوابير شارع البطل أحمد عبد العزيز
ها هي تلك اللحظات الاستثنائية التي أتحدث عنها، طوابير تصطف شارع البطل أحمد عبد العزيز من ناحية جامعة الدول العربية، الجميع ينتظر أمام كشك بيع شرائط الكاسيت الشهير، قبل طرح الألبوم بأيام، فبمجرد طرح أغنية «نور العين» في قنوات التلفزيون المصري، حققت أصداءا واسعة، الأمر الذي عزز من رفع قيمة شريط ألبوم عمرو دياب حينها إلى عشر جنيهات بدلا من ستة.
كانت الطوابير تملىء الشارع في مساء ليلة طرح الألبوم، حتى يلحق كلا منا بنسخته من شريط الكاسيت وبوستر الألبوم الذي تصدره عمرو دياب باستايل ملابسه وشعره الجديد، وبرغم أننا من أبناء هذا الجيل الذي كان دائما يذهب إلى محال شرائط الكاسيت لعمل ألبوم «كوكتيل» يجمع بين أغاني كبار النجوم لكن عمرو دياب نجح من خلال هذا الألبوم تحديدا «نور العين» في تغيير مفهوم الارتباط بيننا وبين شريط الكاسيت فقد أصبح لازاما علينا انتظار ألبومات عمرو دياب من عام إلى آخر وشراء ألبومه منفردا، فقد نجح الهضبة أن يجعل من شريط الكاسيت الخاص به جزء أساسيا من هويته الفنية وربط العلاقة بينه وبين جمهورره.
لدى ألبومات عمرو دياب، حالة خاصة واستثنائية، جعلت مزاجية الجمهور ممن عاصروا مفهوم «شريط الكاسيت» ارتباط عاطفي ووجداني، فهو ليس مجرد لوحة بلاستيكية بداخلها أسطوانيتن نتسمع فيها إلى أغاني عمرو دياب، فقد أصبح شريط الكاسيت جزء لا يتجزأ من حياتنا جميعا.
ما عليك إلا أن تذهب إلى سيارتك بصحبة عائلتك وتجد صوت عمرو دياب يضوي بها، وها هو الأمر في السيارات المارة من حوالك، وفي شوارع منطقة جامعة الدول العربية بالمهندسين وأكشاك الطعام الشهيرة بها في تلك الفترة، وما يحيطها من حدائق عامة «حديقة سفنكس»، وكذلك في منطقة وسط البلد وميادنيها المزدحمة بمحال الملابس والأحذية.. صوت عمرو دياب لا يتوقف بها.
لكن كل هذا لا يمكن مقارنته بالمتعة الآخرى التي كانت تحققهها ألبومات الهضبة في الإسكندرية بمختلف شواطئها، فالأمر يختلف هناك فإذا كنت من غير المترددين على شراء شريط كاسيت ألبوم عمرو دياب، ستجبرك الحالة التي تعيشها هناك وأنت أحد المصطافين بعروس البحر الأبيض المتوسط أن تذهب لشراؤه وتستمتع بتلك اللحظات الخاصة، فقد كان المصطفون قديما يحملون معهم كاسيت صغير على الشواطىء.
وبسبب الحالة الخاصة التي كانت تحدثها ألبومات عمرو دياب، كانت حفلاته بشواطىء العجمي والإسكندرية هي الأساس الذي رسخ لمفاهيم جديدة في حفلات الموسم الصيفي، والتي كان يحرص جمهور الشباب بها على تقليده في استايله مع كل ألبوم يطرحه.
كثير من شرائط الكاسيت لألبومات عمرو دياب ارتبطت بها حيواتنا وذكريتنا في الفرح والأحزان والحب والفراق بصوت عمرو دياب، منها: عودوني، انا اكتر واحد بيحبك، قمرين، علم قلبي، ليلي نهاري وغيرها من عشرات الألبومات التي واكبنا فيها التطور وذهبنا فيها مع الهضبة تاركين الشريط البلاستيك، نبحث عن شكل الأسطوانة الديجيتال مع دخولنا الألفية الجديدة ننتظرها أيضا لدى محال الكاسيت حتى وإن ارتفعت قيمتها الضعف والضعفين، كما في ألبوماته..الليلة دي، كمل كلامك، وياه، بناديك تعالى وغيرها.
يمتد ارتباطنا بالهضبة، ونذهب مع بداية ظهور الهواتف المحمولة ونغمات الموبايل ومقاطع الكول تون، ونجري كثير من الإتصالات لدى شركات المحمول الشهيرة للحصول على نغمة ألبوم عمرو دياب الجديدة.
ورغم افتقادنا لكثير من النوستالجيا الخاصة لتفاصيل علاقتنا بألبومات عمرو دياب، وتطور فكرة طرح الألبوم ليصبح في متناول الجميع عبر المنصات الموسيقية الحالية لكننا مازالنا ننتظر ألبومه في صيف كل عام، نكتب فيه ذكرى جديدة في حياتنا وعلاقتنا به وذكريتنا معه.
عمرو دياب.. بصمة صوتية لن تتكرر، نجم عرف طريقه للنجاح باكرا ونجح في الحفاظ على قاعدته الجماهيرية، فما أن تسمع صوته يضوي من حولك في أي مكان إلا وتجد روحك تتفاعل معه بحالة من البهجة والحنين إلى نوستالجيا الماضي، ويظل شريط الكاسيت صاحب الارتباط والحب الكبير في علاقتنا بعمرو دياب.