داليا فوزى تكتب: آفة الغدر والطمع بين الأشقاء: خطر داهم على الأسرة والمجتمع

لا تكاد تخلو المجتمعات اليوم من قصص يندى لها الجبين، تدور حول الخيانة، ونكران الجميل، وقطع الأرحام، ولا سيما حين يتعلق الأمر بالميراث والأموال. آفة الطمع والجشع بدأت تنخر في جسد الأسرة المصرية، فتقلب المحبة إلى عداوة، والرحم إلى قطيعة، والعشرة الطيبة إلى جفاء، بل وتتحول الأخوّة إلى خصومة أمام المحاكم، والسبب دائمًا: "الطمع" و"الأنانية".
إننا نشهد في هذه السنوات تكرارًا مأساويًا لسيناريوهات أصبحت مألوفة: أخ يغدر بأخيه، أخت تظلم شقيقتها، أولاد يتنازعون على تركة والدهم قبل أن يُوارى الثرى، وقلوب تمتلئ بالحقد والحسد بدل الرحمة والتعاطف، هذه ليست مجرد سلوكيات فردية خاطئة، بل مؤشرات على خلل خطير في منظومة القيم التي يجب أن تحكم علاقاتنا الأسرية والاجتماعية.
الطمع: بوابة الشرور
الطمع لا يقتصر أثره على من يتصف به، بل يمتد ليهدم العلاقات ويشعل نيران الفتن. الطامع لا يرى سوى مصلحته الضيقة، ولا يقدّر المعروف، ولا يحترم صلة الدم والرحم. يتناسى الطامع أن للمال بدائل، أما الرحم فإذا قُطعت فلا تعود كما كانت، وإذا فسدت، أفسدت معها النفس والمجتمع.
كيف يمكن لإنسان أكل من نفس المائدة، وتقاسم الضحكات والدموع مع إخوته وأقاربه، أن ينقلب عليهم لأجل قطعة أرض أو بيت أو حفنة مال؟ كيف يُنسى المعروف والملح والعيش، وتُطعن الأخوة في ظهرها من أقرب الناس؟ إنه الفساد القلبي، والتربية التي لم تُبنَ على القيم، بل على حب الذات فقط.
الميراث... فتنة العصر؟
الميراث في الإسلام حقٌّ، وقد نظّم الشرع توزيعه بعدل لا يظلم أحدًا. لكن المشكلة ليست في تقسيم الميراث، بل في النفوس المريضة التي لا ترضى بما قُسم لها، فتسعى لتهميش الضعفاء، كالأرامل واليتامى، والاستيلاء على حقوقهم. نسمع عن إخوة يحرمون أخواتهم من الميراث، أو يتواطأون لتزوير الأوراق أو التلاعب بالوثائق،هذا ليس فقط تعديًا على الحقوق، بل هو جريمة شرعية وأخلاقية واجتماعية.
الخيانة ونكران الجميل
من أسوأ ما يمكن أن يُصاب به الإنسان هو خيانة من أحسن إليه. كم من آباء وأمهات ضحّوا بكل غالٍ من أجل أولادهم، فإذا اشتد عودهم تنكروا لهم، بل واستولوا على ما يملكون، وكم من أخ ساند شقيقه، وأعانه في شدته، فإذا بالثاني يرد الجميل بخيانة وطعن.
الخيانة لا تقع فقط بين الأعداء، بل كثيرًا ما تأتي من القريب، فتصبح أشد ألمًا وأعمق جرحًا، وهذا النوع من الخيانة يهزّ كيان الأسرة، ويفقد الناس ثقتهم ببعضهم، ويؤسس لأجيال لا تعرف معنى الوفاء.
خطر هذه السلوكيات على المجتمع
حين تُهدم الأسرة، يُهدم المجتمع معها. فالأسرة هي اللبنة الأولى، وإذا فسد البناء من الأساس، انهار كله، أبناء يتربون في جو من الكراهية والخصومة، بدل المحبة والتراحم، كيف نتوقع منهم أن يكونوا أسوياء؟ وكيف نرجو منهم أن يساهموا في بناء وطنهم وهم لم يعرفوا السلام في بيوتهم؟
من هنا نؤكد
لا بد من وقفة جادة أمام هذه الآفة المتفشية. يجب أن نُربي أبناءنا على القيم، لا على حب المال، أن نعلمهم أن الرحِم مقدّسة، وأن الطمع لا يأتي بخير، وأن البركة في الرضا، وأن ما عند الله خير وأبقى، فليتذكر كل خائن وغادر أن الندم سيلحقه عاجلًا أو آجلًا، وأن دعوات المظلومين لا تذهب سدى، وأن المال الذي يُؤخذ بغير حق لن يُثمر، بل سيكون وبالًا عليه.