بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

الكاتب الصحفى صالح شلبى يكتب : حين تحوّلت الشقيقات إلى عقارب

الكاتب الصحفى صالح شلبى
-

في زمنٍ صار فيه الطيب يُؤكل، والمخلص يُهان، والمحب يُطعن، خرجت علينا ثلاث شقيقات، كنّ يومًا يطلبن العون، يبكين ، فيجدن في شقيقهن السند والملجأ، شقيقٌ لم يتأخر يومًا، لم يردّ لهن طلبًا، حمل على كتفيه همومهن، وبنى لهن جدران الأمان، فكان لهن الأب بعد الأب، والرفيق في كل شدة، أي نفوس تلك التي لا يرويها حب، ولا يردعها دين ولا تردها ذكريات الأخوّة والعيش والملح؟، لقد انقلبت الموازين، صار الأخ الذي وهبهن كل شيء متهمًا، وصارت العقود والوثائق التي تثبت براءته أوراقًا يتجاهلنها، فلا همّ لهن إلا النَيل، ولا راحة إلا إذا انكسر،يا له من مشهد قبيح!

لقد جاءني صديق العمرمن إحدى مدن محافظة الدقهلية، وجهه ليس وجه من أعرفه، الحزن يملأ ملامحه، والصمت يحاصره من كل جهة، جلس أمامي وهمّ أن يتكلم، لكن الكلام خان لسانه، وتنهد تنهيدة خنقتني قبل أن تخرج من صدره.

قلت له: ما بك يا صاحب الوجه المبتسم دائمًا؟ أين ذهب ضحكك وضوء عيونك؟
قال لي بصوتٍ مكسور، ثلاث شقيقات من لحمي ودمي، من نَفَس واحد، كنّ النور في عيني، والهمّ في قلبي، تحوّلن إلى عقارب سامّة، إلى غربان تنعق بالحقد، إلى سكاكين تمشي على قدمين.

سكتُ للحظة، قلت له: كيف؟
قال: الجشع يا صديقى الطم، نفوس لم تعرف الشكر ولا ردّ الجميل، نَسِينَ من كان لهنّ الأب والسند، من وقف في عزّ انكسارهن، من باع نفسه من أجلهن.

تخيّل، والدي توفي وترك ورثًا، ليس بالكثير، وتم تقسيمه بالتراضى بالورقة والقلم من سنين طويلة، كل واحدة أخذت حقها وإختارت ما تريدة ، ووقّعت وبصمت وشهدت أن ليس لها شيء بعد ذلك، الدنيا مشيت، وكل واحدة عرفت ما لها منذ عشرون عاماً، لكن فجأة وقبل زواج ابني، قامت قيامتهن، متعمدين قتل فرحتى بزواج ابنى
رجعوا يقولوا الورث!
رجعوا يهددوا، ويتكلموا في ظهري، ويلفوا على البيوت ويقلبوا الناس ضدي، كأنني سارقهم أو آكل حقوقهم ، هانروح المحاكم، ها نسجنوا، ها نخلية يشحت.

قلت له: طيب، معاك أوراق تثبت إنهم أخذوا حقهم؟
قال: معايا كل حاجة، أوراق، عقود، شهود، الدنيا كلها عارفة الحق، إلا قلوبهم، قلوبهم مات فيها النور، كأنهم شافوا فرحتي بزواج ابنى جريمة، كأن زواج ابني عار، كأنهم بيقولوا لي "مش هنسيبك تفرح"، نسوا إن أنا اللي وقفت معاهم فى كل ازماتهم ،نسوا العيش والملح، نسوا السند، نسوا الرجولة اللي كنت بيها ظهر ليهم.

قلت له: وماذا ستفعل؟
قال: ولا حاجة… أنا ساكت، وربنا كبير، ما أنا الكبير، وصعب إن أكسرهم ، وأنزل لمستواهم وكذبهم الحقير
لكن في النهاية، قلت له:
دول مش شقيقات، دول مش بنات أصول،دول عقارب بثلاثة رؤوس، دول بنات الطمع والجحود، دول غربان سوداء في ثياب ناس، من لا يرحم الأخ، لا يعرف الرحمة،من يطعن السند، لن يجد من يسنده، قلوبهم سودة، نفوسهم مريضة، كل واحدة فيهم شايلة في قلبها سمّ يكفي لهدم بلد، مش بيت.

قلت لة ، الله لا يترك الحق، الله لا يترك الظالم، والأيام ستدور، وسيذوقن من نفس الكأس الذي سقوك منه، بل أضعافًا،ارفع راسك، ولا تحزن،الذهب لا يتأثر بطين الوحل،والشمس لا يحجبها دخان حقدهن، أما هنّ، فموعدهن مع عدالة السماء، عاجلاً أم آجلاً، والله يمهل ولا يهمل،و الله ليس غافلًا،فمن يزرع غدرًا سيحصد ندمًا، ومن يطعن أهله بسكين الطمع، سيتجرّع كأس الخيبة من نفس الكف، فلا تحزن من عقارب الدم حين تتحول الأخوّة إلى خيانة والطمع إلى لعنة، الله وحده يعلم الخفايا، ويرى ما لا نراه، ويعلم ما يُدبّر في الظلام.

﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾
وما من كيدٍ إلا وسيرده الله إلى أصحابه، عدلاً منه ورحمةً بعباده، فاطمئن، فإن الحق لا يضيع، والنية لا تُخفى، و"سيرد الله كيدهم" طال الزمان أم قصر.