بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

الدكتورة شاهيناز عبد الكريم تكتب : أنطونيو غوتيريش… سياسي برتغالي صار صوتًا للحرية والكرامة الانسانية

الدكتورة شاهيناز عبد الكريم
-

في عالم يموج بالأزمات السياسية والإنسانية، يبرز اسم أنطونيو غوتيريش كواحد من أبرز الشخصيات الدولية التي جمعت بين الخبرة السياسية والرؤية الإنسانية. فمنذ أن قاد البرتغال كرئيس للوزراء خلال التسعينيات، وأسهم في إدماج بلاده داخل الاتحاد الأوروبي عبر الانضمام إلى اليورو وإصلاح التعليم والخدمات الاجتماعية، مرورًا بمرحلة عمله كمفوض سامٍ لشؤون اللاجئين حيث وقف في الصفوف الأمامية لأكبر الأزمات الإنسانية في القرن الحادي والعشرين، وصولًا إلى موقعه الحالي كأمين عام للأمم المتحدة منذ 2017، ظل غوتيريش صوتًا مدافعًا عن العدالة والكرامة الإنسانية، محذرًا من مخاطر التغير المناخي، وداعيًا لحلول سلمية في قضايا العالم العربي والحروب الدولية.

إنجازاته كرئيس وزراء البرتغال (1995 – 2002) قاد غوتيريش البرتغال نحو مرحلة من الاستقرار السياسي والاقتصادي، حيث انضمت بلاده إلى منطقة اليورو عام 1999 بعد ضبط معدلات التضخم وتقليص العجز. كما أطلق إصلاحات في قطاع التعليم وخدمات الرعاية الاجتماعية، وأسهم في خفض البطالة. وعلى المستوى الأوروبي، استضاف قمة لشبونة عام 2000 التي وضعت “إستراتيجية لشبونة” لتطوير اقتصاد الاتحاد الأوروبي. ورغم ذلك، استقال عام 2002 بعد تراجع حزبه في الانتخابات المحلية، في خطوة أكدت تحمله للمسؤولية السياسية.

المفوض السامي لشؤون اللاجئين (2005 – 2015) بعد رئاسته للحكومة، انتقل غوتيريش إلى قيادة المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، حيث واجه أزمات إنسانية كبرى مثل حرب العراق وأزمة دارفور والنزاع في الكونغو، وصولًا إلى مأساة اللاجئين السوريين. في عهده ارتفع عدد المستفيدين من خدمات المفوضية إلى أكثر من 50 مليون لاجئ ونازح، كما أعاد هيكلة عملها لتصبح أكثر قدرة على الاستجابة السريعة، ورفع صوته عالميًا مدافعًا عن حق اللاجئين في الكرامة والحماية.

أمين عام الأمم المتحدة (2017 – حتى الآن) منذ انتخابه أمينًا عامًا، جعل غوتيريش من التغير المناخي أولوية قصوى، فكان أبرز الداعين للتحول إلى اقتصاد أخضر عالمي. كما أطلق إصلاحات لتعزيز كفاءة وشفافية الأمم المتحدة، واهتم بالمساواة بين الجنسين. وفي الأزمات الدولية، تبنى موقفًا إنسانيًا واضحًا: داعمًا لحل الدولتين في فلسطين، ساعيًا إلى وقف الحرب في اليمن وليبيا والسودان، ومؤكدًا أن النزاع الروسي – الأوكراني لا يُحل إلا عبر التفاوض ووقف النار.

وجاء موقفه الأخير من إعلان الدولة الفلسطينية في اجتماع الأمم المتحدة بشأن إعلان الدولة الفلسطينية (سبتمبر 2025)، بأن “إقامة دولة فلسطينية حق وليست مكافأة”، مشددًا أن رفض هذا الحق يمنح المتطرفين مساحة أكبر. دعا إلى الاعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية باعتباره خطوة ضرورية نحو السلام، محذرًا من أن سياسات الاستيطان والضم تهدد حل الدولتين وتعمّق المعاناة الإنسانية. بهذا الموقف رسّخ صورته كقائد دولي يوازن بين الدبلوماسية والمبادئ الأخلاقية.

ومن لشبونة إلى نيويورك، ومن قيادة حكومة وطنية إلى إدارة ملفات إنسانية عالمية، يمضي أنطونيو غوتيريش في مسيرة تعكس التزامًا ثابتًا بالعدالة والسلام. فهو ليس مجرد سياسي برتغالي صعد إلى قمة الأمم المتحدة، بل شخصية إنسانية عالمية جعلت من القيم الأخلاقية أساسًا