الجيش السوري وتوترات الرقة.. تصعيد عسكري وتعاون أمني دولي

اندلعت اشتباكات مفاجئة بين الجيش السوري و"قسد" في محيط منطقة معدان مؤخرًا، ضمن تصعيد متكرر في شمال وشرق سوريا، وفق ما تناولته تقارير أخبار سوريا. وأعادت هذه الاشتباكات تسليط الضوء على هشاشة التفاهمات بين الطرفين وتعقيدات المشهد العسكري والسياسي في البلاد.
اشتباكات معدان.. الجيش السوري يستعيد السيطرة
ذكرت وزارة الدفاع السورية أن "قسد" شنت هجوماً عنيفاً على نقاط الجيش في ريف الرقة الشرقي، مستخدمة مختلف أنواع الأسلحة، ما أدى إلى مقتل جنديين وإصابة آخرين. وأضافت الوزارة أن الجيش نفذ هجوماً عكسياً استطاع خلاله استعادة السيطرة على جميع المواقع وطرد القوات المعتدية، محمّلة "قسد" تبعات هذا الهجوم المتكرر.
من جانبها، أشارت "قسد" إلى أن قواتها كانت تتعامل مع مواقع يستخدمها تنظيم "داعش" لإطلاق طائرات مسيّرة، مؤكدة أنها أسقطت طائرتين مسيرتين من نوع "Matrice M30"، زاعمة أن مصادرهما تعود إلى نقاط تابعة لحكومة دمشق. هذا التباين في الروايات يعكس عمق عدم الثقة بين الطرفين ويشير إلى إمكانية تجدد الاشتباكات في أي لحظة.
الخلفية.. تراكمات الأشهر الماضية
لم تكن هذه الاشتباكات حدثاً معزولاً، بل تأتي ضمن سلسلة توترات شهدتها المناطق المشتركة بين الجيش و"قسد" خلال الأشهر الأخيرة. ففي أكتوبر الماضي، اندلعت مواجهات حول سد تشرين شرق حلب، أسفرت عن مقتل جنديين، حيث اتهمت دمشق "قسد" بعدم الالتزام بالتفاهمات السابقة، بينما نفت "قسد" مسؤوليتها مؤكدة التزامها بعدم التصعيد.
على الرغم من الاتفاق الشامل لوقف إطلاق النار بين الطرفين في مارس الماضي، إلا أن التنفيذ شهد تباطؤاً ملحوظاً، وهو ما أشار إليه الرئيس السوري أحمد الشرع في سبتمبر الماضي، مؤكداً وجود "تعطيل" ببعض بنود الاتفاق.
زيارة نتنياهو.. تصعيد جديد في الجنوب السوري
في سياق آخر، أثارت زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى الأراضي السورية جنوب البلاد غضب دمشق، التي اعتبرت ذلك "انتهاكاً خطيراً" للسيادة، مؤكدة ضرورة الانسحاب الكامل والعودة لاتفاق فضّ الاشتباك لعام 1974.
الأردن أيضاً أدان الزيارة، واعتبرها خرقاً صارخاً للقانون الدولي وتصعيداً يفاقم التوترات، داعياً المجتمع الدولي لتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية. من جهتها، تصر إسرائيل على الاحتفاظ بثمانية مواقع في الجولان وجبل الشيخ، مع ربط أي انسحاب باتفاق سلام شامل لا يبدو أنه مطروح حالياً.
سوريا والصين.. تعاون أمني واستراتيجي متزايد
على الصعيد الدولي، برزت مؤشرات قوية على تعزيز التعاون بين سوريا والصين، خصوصاً في المجال الأمني. حيث أكدت الحكومتان في بيان مشترك:
-
تنسيق التعاون في مجال الأمن ومكافحة الإرهاب.
-
تعزيز التنسيق والتشاور في المنظمات الدولية لمواجهة التهديدات الأمنية.
-
التزام سوريا بعدم السماح باستخدام أراضيها في أنشطة تهدد الأمن القومي الصيني.
كما أعرب وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني عن تقديره لدعم الصين المستمر لسوريا، مشدداً على التزام دمشق بمبادئ الاحترام المتبادل والعمل المشترك، ودورها في مكافحة الإرهاب وتعزيز سيادة القانون. من جهتها، أكدت بكين استعدادها لدعم سوريا في إعادة الإعمار وتحسين المعيشة، مع التركيز على تعزيز التعاون الأمني والاستقرار الداخلي.
هذا التعاون يوضح أن سوريا تسعى إلى تعزيز أمنها ومكافحة الإرهاب بالتوازي مع دعم الشركاء الدوليين، دون الدخول في تحالفات عسكرية مباشرة، ما يعكس استراتيجية دمشق في توسيع تحالفاتها الدولية بشكل مدروس.
تقاطعات معقدة.. السياسة والإقليمية
المشهد السوري اليوم يعكس تداخلاً بين النزاعات المحلية والتوترات الإقليمية والدعم الدولي. فبين التصعيد في الرقة، والتوغلات الإسرائيلية في الجنوب، وبين تعزيز التعاون الأمني مع الصين، تبدو سوريا أمام مرحلة حساسة تتطلب إدارة دقيقة للتوازن بين التحديات الداخلية والفرص الدولية.
الخلاصة
إن الاشتباكات الأخيرة في الرقة والملف الإسرائيلي والتعاون الأمني الدولي مع الصين، تعكس مشهداً متغيراً ومعقداً في سوريا. فرغم التوترات المستمرة، تسعى دمشق إلى تعزيز استقرارها الداخلي من خلال التعاون الأمني الدولي، وإعادة بناء علاقاتها الدبلوماسية، بما يتيح لها حماية سيادتها وتثبيت استقرار مناطقها على المدى الطويل.

