بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

المستشار محمد سليم يكتب : بين الحريات والأمن القومي.. اعتراض رئاسي يعيد قانون الإجراءات الجنائية إلى البرلمان وتكهنات بعودة الطوارئ

المستشار محمد سليم
-

في توقيت بالغ الحساسية تمر به الدولة والمنطقة، أحال الرئيس عبد الفتاح السيسي اليوم قانون الإجراءات الجنائية إلى مجلس النواب، مصحوبًا باعتراضات رسمية على بعض مواده، وخاصة تلك المتعلقة بالحريات العامة وضمانات المحاكمة العادلة وحقوق المتهمين. وتأتي هذه الإحالة في إطار الصلاحيات الدستورية التي تخوّل لرئيس الجمهورية إعادة القوانين إلى البرلمان لإعادة النظر فيها، ما يعكس حرص مؤسسة الرئاسة على تحقيق التوازن بين متطلبات الأمن القومي وحقوق المواطنين الدستورية.

تسارعت وتيرة التحركات البرلمانية فور إحالة القانون، حيث يجري الترتيب حاليًا لعقد جلسة استثنائية لمجلس النواب في أكتوبر المقبل لمناقشة الاعتراضات الرئاسية وتعديل المواد محل الجدل، والتي تركزت على قضايا الحبس الاحتياطي والصلاحيات القضائية وبعض الإجراءات التي قد تمس بالضمانات القانونية للمواطن. وتشير مصادر برلمانية إلى أن الجلسة المقبلة قد تشهد تعديلات جوهرية تفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التشريعات التي تواكب المتغيرات السياسية والأمنية، سواء داخليًا أو خارجيًا.

في الوقت نفسه، لا يمكن فصل هذا التحرك التشريعي عن السياق الإقليمي المتأزم، إذ تشهد منطقة الشرق الأوسط حالة من التوتر الشديد بفعل التصعيد الإسرائيلي المستمر في غزة والضفة، والاستفزازات العسكرية التي تتم بدعم مباشر من الإدارة الأمريكية، ما يعزز المخاوف من امتداد تأثير هذه الأحداث إلى الداخل المصري. وفي ظل هذا الواقع المضطرب، عاد الحديث مجددًا في بعض الدوائر السياسية والإعلامية عن إمكانية العودة إلى العمل بقانون الطوارئ، ولو بشكل محدود أو مؤقت، كإجراء وقائي لمواجهة أي تهديدات محتملة.

ورغم أن الرئاسة لم تلمح رسميًا إلى نية تفعيل قانون الطوارئ، فإن التحركات التشريعية الحالية، والتغيرات الإقليمية المتسارعة، تفتح باب التكهنات حول مدى استعداد الدولة للعودة إلى أدواتها القانونية الاستثنائية في حالة الضرورة. ويرى مراقبون أن الدولة المصرية تحاول الحفاظ على معادلة دقيقة تقوم على ترسيخ الاستقرار الأمني من جهة، ومواصلة خطواتها نحو تحسين بيئة الحريات والعدالة من جهة أخرى، خاصة في ظل تعهداتها الدولية بتحسين ملف حقوق الإنسان، وتطوير المنظومة القضائية بما يتماشى مع المعايير الحديثة.

ما يجري حاليًا يؤكد أن مؤسسة الرئاسة منفتحة على مراجعة السياسات التشريعية، وأن هناك تفاهماً متزايدًا بين السلطتين التنفيذية والتشريعية لضبط مسار القوانين بشكل يعكس أولويات الدولة وتحدياتها. الجلسة المنتظرة في أكتوبر ستكون بمثابة اختبار حقيقي لقدرة الدولة على إدارة التوازن بين الحقوق والسيادة، وقد تحمل في طياتها مفاجآت تشريعية كبيرة تعيد رسم ملامح العلاقة بين المواطن والقانون.

ويبقى السؤال الأهم مطروحًا: هل تقود هذه التحركات إلى تعديل تشريعي عميق في قانون الإجراءات الجنائية فقط، أم أنها مقدمة لإعادة التفكير في مجمل أدوات الدولة القانونية لمواجهة التهديدات المستجدة؟ الأيام القادمة كفيلة بكشف تفاصيل الصورة الكاملة، لكن ما هو مؤكد أن مصر تقف أمام منعطف مهم سيحدد شكل العلاقة بين الحرية والأمن في المرحلة المقبلة.