بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

وكيل الأزهر: الفرصة سانحة أمام الحكماء ليقوموا بواجبهم تجاه ‏الإنسانية ووقف شلالات الدماء

الدكتور محمد الضويني
-

أعرب وكيل الأزهر الشريف الدكتور محمد الضويني عن تقدير الأزهر للجهود التي تبذلها دولة ‏كازاخستان لتعزيز قيم ‏‏السلام والوئام ‏بين بني الإنسان التي تشتد حاجة ‏البشرية إليها في ظل ‏عالم مشحون ‏بمشكلاته ‏‏الأمنية والاقتصادية والسياسية ‏والاجتماعية ‏التي تعمل عقول الشياطين على تأجيج نيرانها كلما ‏خبت، مؤكدا أن ‏الفرصة سانحة الآن أمام العقلاء والحكماء ليقوموا بدورهم وواجبهم تجاه الإنسانية.
وقال الضويني - خلال كلمته في الدورة الثامنة لمؤتمر قادة الأديان العالمية ‏والتقليدية،‏ تحت عنوان‏"قيادة الأديان ‏والشراكة الدولية، كضمان للسلام ‏والأمن المستدامين"‏‏ بالعاصمة الكازاخستانية ‏أستانا اليوم بحضور رئيس كازاخستان قاسم جومارت توقاييف - إن مشاركة الأزهر في أعمال مؤتمر زعماء ‏الأديان بكازاخستان تنطلق من إيمان الأزهر العميق ‏‏بأهمية الحوار، ‏‏وتأكيده الدائم على ‏أنه الطريق الصحيح لإقرار حق كل إنسان في حياة ‏كريمة، ينعم ‏فيها بما ‏خلق الله له من ‏‏طيبات، منوهًا بأن فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، ‏يرجو لهذا المؤتمر خطوة حقيقية في سبيل ‏‏سعادة الإنسانية، وتحقيق السلام ‏والعيش المشترك الذي يفتقده ‏‏عالمنا اليوم‏.‏
وأكد الضويني إيمان الأزهر الشريف بحقوق الإنسان وضرورة التعايش بين البشر انطلاقًا من ‏القاعدة القرآنية الربانية {يَا ‏أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ ‏وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ ‏‏شُعُوبًا وَقَبَائِلَ ‏لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ ‏عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} ‏‏[الحجرات: ‏‏13].‏ فتنوع البشرية ‏مقصود إلهي، ‏‏غايته التعارف والتلاقي ‏والثراء، لا المعارك ولا ‏الحروب.‏
وأضاف أن الأزهر الشريف نادى عبر تاريخه الذي ‏يمتد لأكثر من ألف عام بالأخوة الجامعة وكان ‏‏‏من ‏نداءاته ‏المبكرة "رسالة في الزمالة الإنسانية" التي كتبها الشيخ ‏محمد ‏مصطفى المراغي شيخ ‏‏‏الأزهر عام 1936، وألقاها في مؤتمر ‏الأديان بلندن وكذلك "وثيقة الأخوة ‏الإنسانية" ‏‏التي وقعها عام ‏‏2019 ‏ الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، مع أخيه قداسة البابا فرانسيس ‏‏بابا الفاتيكان ‏‏الراحل، ‏وكذا ‏نداء أهل القبلة الذي أطلقه فضيله الإمام الأكبر في مؤتمر الحوار ‏الإسلامي- الإسلامي في البحرين ‏لترسيخ الوحدة والتآخي بين مختلف الفرق والطوائف.‏
وركز وكيل الأزهر خلال كلمته على عنوان وهدف المؤتمر وهو ‏"التآزر من ‏أجل المستقبل"الذي يحلم ‏معه كل عاقل ‏‏بمستقبل أكثر أمنا وأمانا، ‏وأقل ‏تخريبًا وتهديدًا، ينعم فيه الجميع بلا استثناء بالحياة التي هي ‏‏هبة من الله -‏‏عز وجل-، مؤكدًا حاجة البشرية جمعاء إلى بناء مستقبل آمن للبشرية جميعًا، وشجاعة ‏لتجاوز هذا التاريخ المظلم، ‏والواقع المر، شجاعة من المظلوم وتحمل المسؤولية من الظالم نتيجة ‏‏التعصب ‏والتمييز والقتل ‏‏والتهجير، وألا ننسى تلك الكيانات التي ما زالت تتمسك ‏‏بأهداب أفكار ‏عتيقة قديمة تعمل ‏على إحيائها من مراقدها ومقابرها، ‏وما زالت ‏تعيش في فلك التعصب ‏‏والتمييز الذي استبيحت به دماء ‏الشعوب، ‏ونهبت به ‏مقدراتهم، وخربت به ديارهم. ‏
وذكَّر وكيل الأزهر حضور المؤتمر بمعاناة شعب فلسطين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة، محذرًا من ‏اعتياد مشاهدة دماء الأبرياء تسفك بغير حق، مؤكدًا موقف الأزهر ودعمه الكامل والمتواصل لصمود الشعب ‏الفلسطيني الأبي في مواجهة العدوان الإسرائيلي الذي لا يزال يكشف حينًا بعد حين عن وجهه الدموي، ‏وستظل القضية الفلسطينية القضية المركزية لشعوب العالمين ‏العربي والإسلامي، مشيرًا ‏إلى موقف مصر المشرف تجاه القضية الفلسطينية ورفض الدولة المصرية لسياسات التهجير ‏والتجويع والقتل التي يتعرض لها الشعب البريء في غزة.‏
وأضاف أن السياسة التي ينتهجها الاحتلال في تغيير الهوية العربية والإسلامية للقدس من ‏خلال فرض سياسة الأمر الواقع وتزييف الحقائق بإعلامٍ أعور، ما هي إلا محاولات بائسة وفاشلة أمام وعي ‏الشباب العربي والمسلم الذي يدرك جيدًا تلك المخططات الخبيثة، مشددًا على أن ادعاء إسرائيل للسلام ‏ادعاء زائف، وما تقوم به قوات الاحتلال من عدوان صارخ وأعمال إجرامية وإرهاب غاشم لا تقرّه الشرائع ‏السماوية، ولا القوانين الدولية، ولا ترضاه نفس بشرية، داعيًا إلى اتخاذ مواقف جادة تجاه الكيان ‏المحتل لوقف هذه الإبادة الجماعية.‏
وأوضح أن التحديات السياسية تأتي أوضح أثرًا وأشد خطرًا، حيث تُنفق بعض الدول من قوت ‏شعوبها لتدمير دول أخرى، وتُصرف المليارات التي تتجاوز العد والإحصاء في القتل والتدمير بدلًا من البناء ‏والتعمير، وتُهدر الأموال الطائلة في التجويع والحصار بدلًا من أن توجَّه إلى التنمية والإعمار، وما هو ‏معلن من أدوات الحروب والمعارك يكشف فداحة تلك السياسات، فإذا تعمقنا في الأمر وجدنا من الأدوات ‏الخبيثة ما لا يردعه خلق ولا تمنعه قيم، كالمخدرات وإذكاء الشهوات وصناعة الجماعات ‏المنحرفة، مبينًا أن مثل هذه الوسائل تُستخدم في عصر يُسمى بعصر الحضارة لإضعاف الشعوب ‏وتدميرها، وهو ما يشير إلى حجم العبث والمقامرة بمستقبل المجتمعات وأحلام أهلها.‏
وتابع أن هناك أيضًا التحديات الاقتصادية التي تنشأ من نظريات منفلتة من الضوابط الأخلاقية، ‏تُسعد قلة من البشر على حساب الكثرة الكاثرة، فتزداد بيئات غنى وثراء ورخاء، وتزداد بيئات أخرى فقرًا ‏وجهلًا ومرضًا، وهو ما يؤكد أن قواعد السوق ومبادئ العرض والطلب ينبغي أن تكون مقرونة بفلسفة ‏أخلاقية عاصمة، كما أن التحديات الاجتماعية لا تقل خطرًا عن الاقتصادية، حيث يعاني المجتمع الدولي ‏من تفكك الأسرة واضطرابها تحت دعاوى الحريات والشعارات الخادعة، في ظل مخططات شيطانية خبيثة ‏تهدم جهود المؤسسات الرشيدة، وتحاول هدم ‏‏الطرح المتحضر للحفاظ على الأسرة، رافعة شعارات خادعة، ‏‏وما هي ‏منها بسبيل، وتأتي كذلك التحديات البيئية التي ازدادت بفعل الأيدي الجشعة التي أفسدت الأرض، ‏وتجاهلت أن الإنسان مؤتمن على البيئة ومكوناتها.‏
وأوضح أن محاولة علاج الأزمات الحالية في سياقات منفصلة ومستقلة وبعيدة عن الدين وما يحمله ‏من قيم وأخلاق ما هي إلا معالجات مبتورة، ولأجل تلك الغايات الهامة والنبيلة؛ كان أن وجه فضيلة الإمام ‏‏الأكبر بافتتاح فرع ‏لمجلس حكماء المسلمين ‏‏بدولة كازخستان، لما ‏له وللدولة المستضيفة من جهود بارزة ‏في ‏تحقيق السلام وإرساء ‏دعائم المحبة ‏‏والتعايش بين الشعوب إعلاء للأخوة الإنسانية ‏‏ومقتضياتها.‏
واختتم وكيل الأزهر كلمته في الجلسة الختامية بالمؤتمر بأن الإعلاء من شأن القيم والأخلاق ضرورة حتمية ‏في عالمنا المعاصر الذي شقي كثيرًا بالتجارب الاجتماعية والنظريات الفلسفية التي قُدمت للناس على أنها ‏بديل عن الدين والعقيدة، فلا هي شفت جراح البشرية، ولا تركت الناس أحرارًا في عقائدهم، مبينًا أن ‏الفرصة سانحة الآن أمام العقلاء والحكماء ليقوموا بدورهم وواجبهم تجاه الإنسانية، ومعربًا عن أمله في أن ‏يكون هذا اللقاء بذرة جديدة في بلاغ قيم السماء إلى أهل الأرض، وإرساء دعائم السلام والمحبة والتعايش ‏بين الشعوب إعلاءً للأخوة الإنسانية بين الناس، مذكرًا بنداءات شيخ الأزهر المتكررة للقادة الدينيين ‏والسياسيين والاقتصاديين وغيرهم بواجب تحمل المسؤولية ووضع حلول حقيقية وفعالة لما يعانيه العالم من ‏أوضاع إنسانية غير مسبوقة.