النائب أحمد قورة: يكتب القاهرة وباريس على خط الازمة

في مشهد يؤكد مكانة مصر الإقليمية والدولية الراسخة، تلقى الرئيس عبد الفتاح السيسي، اليوم الأربعاء، اتصالًا هاتفيًا من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، تناول آخر تطورات الأوضاع في قطاع غزة، وجهود القاهرة المستمرة لوقف الحرب الإسرائيلية الغاشمة على الشعب الفلسطيني.
جاء الاتصال في توقيت دقيق يعكس إدراك المجتمع الدولي لدور مصر المحوري في إدارة الملفات الإقليمية، وخاصة ما يتعلق بالصراع الفلسطيني الإسرائيلي، الذي دخل مرحلة كارثية من التدهور الإنساني والميداني منذ اندلاع العدوان على غزة. ففي الوقت الذي تتباين فيه مواقف الأطراف الدولية وتتأرجح بين الإدانات الدبلوماسية والدعوات الرمزية، تظل القاهرة الطرف الأكثر تأثيرًا والأقوى نفوذًا على طاولة الوساطة.
السيسي يقود دبلوماسية فاعلة
الرئيس السيسي، خلال الاتصال، استعرض الجهود المصرية الكثيفة التي لم تتوقف منذ اليوم الأول للعدوان، والرامية إلى وقف إطلاق النار، وتثبيت الهدنة، وتأمين ممرات آمنة لدخول المساعدات الإنسانية إلى المدنيين الذين يعيشون واحدة من أقسى الأزمات في التاريخ الحديث. كما أكد بوضوح موقف مصر الثابت والرافض لأي محاولات لفرض حلول جائرة على الفلسطينيين، أو تهجيرهم قسرًا من أرضهم، مشددًا على أن الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني — وعلى رأسها إقامة دولته المستقلة — غير قابلة للتصرف أو المساومة.
هذا الموقف لا يأتي من فراغ، بل يُترجم سجلًا طويلاً من التزام القاهرة بدعم القضية الفلسطينية، منذ عقود، عبر الوساطة بين الفصائل، واحتضان المفاوضات، والضغط الإقليمي والدولي لإعادة التوازن المفقود في المنطقة. واليوم، تعود مصر لتقود الجهود، ليس من منطلق الدور التاريخي فحسب، بل من واقع الثقل السياسي الذي تحظى به في المنطقة، والثقة الدولية المتزايدة في قدرتها على التهدئة والبناء.
ماكرون يشيد بالدور المصري
الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من جانبه، عبّر عن دعمه للجهود المصرية، مشيدًا بدورها المحوري في نزع فتيل التصعيد، ومنع اتساع رقعة الصراع، مؤكدًا حرص باريس على التنسيق الكامل مع القاهرة في هذا الملف شديد الحساسية. ويأتي هذا في إطار الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، والتي تتجاوز القضايا الثنائية إلى التعاون في مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، سواء كانت سياسية، أو أمنية، أو إنسانية.
القاهرة مركز ثقل دبلوماسي في الشرق الأوسط
ليس من المبالغة القول إن القاهرة أصبحت، مجددًا، مركز الثقل الدبلوماسي في الشرق الأوسط. وبينما تتسارع الاتصالات الدولية، وتتنافس الوساطات الإقليمية، تظل مصر هي الطرف الوحيد القادر على الجمع بين جميع الأطراف المتصارعة، وطرح مبادرات عملية، تستند إلى توازن المصالح، واحترام القانون الدولي، ورفض سياسة فرض الأمر الواقع.
إن ما تقوم به مصر اليوم في غزة ليس مجرد جهد دبلوماسي، بل هو تعبير صريح عن مسؤولية دولة مركزية، تدرك أن أمن المنطقة واستقرارها يمرّ عبر العدالة، وليس عبر الاجتياح أو الاحتلال أو تهجير الشعوب. فصوت القاهرة في المحافل الدولية لا يُسمع فقط، بل يُحسب له ألف حساب، لما تتمتع به من مصداقية، وشبكة علاقات متينة، وقدرة على التفاعل مع جميع الأطراف.
رسالة مصر واضحة: لا لحلول جزئية ولا للتهجير
ما يجب التوقف عنده هو الرسالة السياسية الحازمة التي بعث بها الرئيس السيسي خلال الاتصال: لا تهجير، لا تفريط، ولا استسلام أمام آلة القتل والدمار. وهي رسالة تمثل ليس فقط إرادة المصريين، بل تطلعات شعوب عربية باتت ترى في مصر رمانة الميزان في منطقة مضطربة، وقوة عقلانية تسعى إلى تجنيب المنطقة الانفجار.
نؤكد فى النهاية مصر لا تتحدث.. بل تتحرك
في ظل عجز دولي وتضارب في المواقف، تبقى مصر هي الصوت المتقدم في الدفاع عن الحقوق العربية، وعن الحلول العادلة، عبر أدوات فاعلة تبدأ بالوساطة، ولا تنتهي بالتأثير في مواقف كبرى الدول. لقد أعاد هذا الاتصال الهاتفي بين السيسي وماكرون التأكيد على أن مصر لا تكتفي بإعلان المواقف، بل تتحرك بفاعلية، وتبني الجسور، وتحافظ على ثوابت المنطقة وسط عالم متغير.