بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

اليوم ذكرى ميلاد : نيلسون مانديلا.. رمز النضال وملهم العالم في ذكرى ميلاده

نيلسون مانديلا
أمال ربيع -

في زمنٍ كان فيه اللون يُحدد المصير، والعدالة تُوزّع ببطاقات الهوية، وُلد رجل غيّر معادلات التاريخ دون أن يطلق رصاصة.. رجلٌ سُجن أكثر من ربع قرن، لكنه خرج أعظم من جلاديه، وأكثر رحمة من سجّانيه.. خرج لا لينتقم، بل ليصالح شعبًا جُرّح على يد العنصرية.
في 18 يوليو، لم تأتِ إلى الدنيا مجرد ولادة، بل جاء إلى الإنسانية ضوءٌ نادر اسمه نيلسون مانديلا.

هو ليس مجرد زعيم أفريقي، بل أسطورة حية، أصبح اسمه مرادفًا للنضال، للحرية، وللإنسانية في أبهى صورها، فمن قرية "مفيزو" المجهولة، إلى منصّة الأمم المتحدة، ومن زنزانة "روبن آيلاند" إلى قصر الرئاسة.. سطر مانديلا ملحمةً إنسانية لا تتكرر.

النشأة والبدايات

ولد نيلسون روليهلاهلا مانديلا فى 18 يوليو 1918 في قرية "مفيزو" الصغيرة، وكان والده زعيمًا محليًا من قبيلة التيمبو. توفي والده وهو في التاسعة من عمره، فتولّى الوصي على العرش تعليمه ورعايته. تلقى تعليمه الأساسي في مدارس تبشيرية مسيحية، ثم التحق بجامعة "فورت هير"، وهي واحدة من أعرق جامعات السود في جنوب أفريقيا، لكنه طُرد بسبب مشاركته في احتجاجات طلابية.

هرب إلى جوهانسبرغ عام 1941 لتفادي زواج مرتب له، وهناك بدأ يتعرف على الواقع العنصري القاسي الذي يعيشه السود في ظل نظام الفصل العنصري (الأبارتايد).

النضال السياسي

المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC)

انضم مانديلا إلى حزب المؤتمر الوطني الأفريقي في عام 1944 وأسهم في تأسيس "رابطة شباب المؤتمر"، التي تبنت أساليب أكثر جذرية لمقاومة التمييز العنصري.

الكفاح ضد الأبارتايد

قاد مانديلا احتجاجات ومقاطعات سلمية ضد قوانين الأبارتايد، وفي عام 1961 أسس الجناح المسلح للمؤتمر ANC المعروف باسم "رمح الأمة" (Umkhonto we Sizwe) بعد أن أصبح مقتنعًا أن الكفاح المسلح هو الحل الوحيد.

الاعتقال والسجن

في عام 1962، أُلقي القبض على مانديلا وحُكم عليه بالسجن خمس سنوات. ثم وُجهت إليه لاحقًا تهم التخريب والتآمر لقلب نظام الحكم، فحُكم عليه بالسجن مدى الحياة في محاكمة ريفونيا الشهيرة عام 1964.

قضى مانديلا 27 عامًا في السجن، منها 18 عامًا في سجن "جزيرة روبن" قبالة سواحل كيب تاون، في ظروف قاسية جدًا، لكنه ظل رمزًا للمقاومة.

الحرية والتحول الديمقراطي

أُطلق سراح مانديلا في 11 فبراير 1990 بعد ضغوط محلية ودولية على نظام الفصل العنصري، في خطوة مهّدت الطريق لمرحلة جديدة في تاريخ جنوب أفريقيا.

عام 1993، حصل على جائزة نوبل للسلام مشاركة مع رئيس جنوب أفريقيا فريدريك دي كليرك، تقديرًا لجهودهما في إنهاء نظام الأبارتايد.

رئاسة الجمهورية

في عام 1994، أصبح نيلسون مانديلا أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا، بعد أول انتخابات ديمقراطية متعددة الأعراق. استمرت ولايته حتى 1999، وكان خلال رئاسته حريصًا على المصالحة الوطنية وتوحيد الشعب رغم جراح الماضي.

رفض الترشح لولاية ثانية، وضرب مثالًا نادرًا في العالم الثالث بتركه السلطة طوعًا بعد فترة رئاسية واحدة فقط.

الزوجات:

1. إيفلين ماس: تزوجها عام 1944 وأنجب منها 4 أبناء، لكن العلاقة لم تدم طويلًا بسبب الخلافات السياسية.
2. ويني ماديكيزيلا مانديلا: تزوجها عام 1958، وكانت ناشطة شرسة ضد الأبارتايد، لكنها تورطت لاحقًا في اتهامات بالعنف والفساد، ما أدى إلى انفصالهما عام 1996.
3. غراسا ماشيل: تزوجها عام 1998، وهي أرملة الرئيس الموزمبيقي سامورا ماشيل، وناشطة حقوقية. كانت معه حتى وفاته.

الأبناء:

أنجب مانديلا 6 أبناء، لكن العديد منهم تُوفوا خلال حياته. من أشهر أبنائه، ماكازيوي مانديلا،ابنته التي بقيت على قيد الحياة، وهي أكاديمية وناشطة اجتماعية.

وفاته وتكريمه

توفي مانديلا في 5 ديسمبر 2013 بسبب التهابات رئوية، أُقيم له جنازة رسمية حضرها زعماء من مختلف أنحاء العالم، وكان الحدث بمثابة وداع للضمير الإنساني.

إرث مانديلا

أصبح 18 يوليو من كل عام يومًا عالميًا باسم "يوم نيلسون مانديلا" تحت رعاية الأمم المتحدة، تشجيعًا على العمل التطوعي والتسامح وخدمة الآخرين.

تُحفظ رسائله وخطاباته وسيرته في متاحف ومراكز دراسات.، كما ألهمت حياته كتبًا، أفلامًا، ومبادرات تعليمية وخيرية، أبرزها "مؤسسة نيلسون مانديلا".

اقتباسات خالدة

"التعليم هو أقوى سلاح يمكنك استخدامه لتغيير العالم." - "لقد تعلمت أن الشجاعة ليست غياب الخوف، بل الانتصار عليه." - "أنا لست قديسًا، إلا إذا اعتبرت القديس شخصًا يحاول أن يكون أفضل."

يبقى نيلسون مانديلا رمزًا خالدًا للحرية والتسامح والعدالة الاجتماعية. رجل لم يرضَ بالظلم، وواجهه بصبر وقوة، وكتب بدموعه وتضحياته فصلًا جديدًا في تاريخ البشرية، ليثبت أن النضال السلمي قادر على تغيير مصير الشعوب.