8 شهور جراحة أثرية.. حكاية قطع استغرقت أطول وقت لترميمها بالمتحف الكبير

في مراكز الترميم بالمتحف المصري الكبير، لا يعلو سوى صوت الدقة، ليس صوت المطرقة أو الإزميل، بل "دقة العلم والدقة التاريخية"، هناك، حيث يتقاطع الحاضر مع آلاف السنين من المجد، تجلس عيون المرممين لساعات، تنقب في أسرار قطعة أثرية ربما لم تمس منذ آلاف الأعوام، يحاولون فك لغز ما تحمله من تآكل أو تفكك أو أثر زوال، وفي يوليو المقبل، حين تفتح أبواب المتحف الكبير، سيقف الزوار مبهورين بما أعيد للحياة. لكن خلف كل قطعة تُعرض، حكاية من الكد والصبر والدقة، وحكاية من ترميم يرقى لمصافّ الجراحة الدقيقة.
بين كل القطع التي مرت بين أيدي المرممين، هناك قطع فرضت حضورها بقوة، سواء لما تمثله من قيمة تاريخية أو لما كانت عليه من حالة متدهورة، ومن بين هذه الكنوز، درع الملك توت عنخ آمون، الذي وصفه أحد المرممين بأنه "كان أشبه بمريض في حالة حرجة".
الدرع الجلدي، أحد القطع النادرة في التاريخ المصري القديم، جاء إلى مركز الترميم متفككًا، وقد انفصلت معظم وحداته الجلدية عن قاعدة الكتان التي كانت تشكل بنيته الأساسية، وعلى مدار ستة أشهر كاملة، عمل الفريق على ترميم هذه الصدرية الحربية، التي كانت تستخدم لحماية صدر المحارب بطريقة مبتكرة، تعتمد على تشبيك وحدات الجلد بطريقة تداخلية، تشبه في وظيفتها الدرع المعدني، لكنها أكثر مرونة وخفة.
أما تابوت توت عنخ آمون، فقد كانت حالته أكثر تعقيدًا، جاء من الأقصر بحالة شديدة التدهور، وكان يتطلب تعاملاً فنيًا حساسًا، نظرًا لطبيعة الخامات الرقيقة التي صنع منها، واستغرقت عمليات ترميمه ما يزيد على ثمانية أشهر، خضع خلالها لتحليل دقيق للمواد، وتنظيف بمعدات متخصصة، ومعالجة دقيقة لكل شروخ وضعف في بنيته الأصلية.
لقد خاضت فرق الترميم في المتحف المصري الكبير، سباقًا صامتًا مع الزمن، فمنذ أن وصلت القطع الأثرية من المتاحف والمخازن والمواقع التاريخية، كان لزامًا إخضاع كل واحدة لدراسة علمية دقيقة، يتبعها تدخل ترميمي لا يترك مجالًا للخطأ، لأن الخطأ هنا يعني فقدانًا للتاريخ نفسه