بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

المستشار أحمد الفضالى يكتب : ابتعدو عن أهل التشاؤم

المستشار أحمد الفضالى
-

مع هذه المناسبة الجليلة، عيد الأضحى المبارك، حيث تفيض القلوب بالسكينة، وتعلو التكبيرات في سماء الأمل، ويتبادل الناس التهاني والدعوات الطيبة، تلوح أمامنا فرصة ذهبية لا تُعوّض، أن نعيد ترتيب دوائرنا، وننتقي من نجالسهم، ونُحسن إلى أرواحنا كما نحسن إلى أجسادنا بثياب العيد الجديدة.

العيد ليس فقط لحظة فرح ولقاء، بل هو تجديد داخلي، دعوة للسعادة، ومناسبة لنبذ كل ما يُعكر صفو النفس، ولهذا، فإن من أولى خطوات السعادة الحقيقية أن نبتعد عن أولئك الذين لا يُجيدون سوى التذمر، والحديث عن الغلاء، والمشكلات، والأمراض، والمخاوف التي لا تنتهي.

كم من مجلسٍ يخرج منه الإنسان مثقلًا أكثر مما دخل! ليس لأن فيه ما يُسيء مباشرة، بل لأن الحضور لا يعرفون إلا لغة الشكوى. هؤلاء لا يشعرون، لكنهم يزرعون الإحباط في كل من حولهم، وينفثون همومهم بلا توقف، حتى يصبح الحديث عن "الأمل" ضربًا من الخيال.

لكننا في عيد الأضحى، حيث التضحية والعطاء واليقين، مدعوون لتجديد أرواحنا باليقين والرضا، وأن نبحث عن أولئك الذين إذا تحدثوا، جعلوك ترى الخير في كل زاوية، وأشعروك بأن ما عند الله خيرٌ وأبقى، وأن الدنيا مهما ضاقت، فإن فرج الله قريب.

اجعل من هذا العيد نقطة تحوّل، لا تزُر فيه إلا من يُنعش قلبك، ولا تجالس إلا من يزيدك صبرًا وتفاؤلًا، ابحث عن من يذكّرك بنِعم الله، لا من يُحصي أمامك نقم الدنيا، شارك الناس الأخبار المبهجة، والقصص الجميلة، والذكريات التي تزرع فيهم الأمل، فالكلمة الطيبة صدقة، بل دواء للقلوب المُنهكة.

من المؤسف أن بعض الناس لا يُجيدون الحديث إلا عن الأمراض، والغلاء، والمصائب القادمة، وكأن العالم قد انتهى، والحياة أصبحت بلا طعم أو هدف،هؤلاء الأشخاص تجدهم دائمًا عابسين، يجرّون خلفهم سحابة من السلبية، ويحرصون على نشر القلق والتشاؤم كما يُوزَّع المرض في وباءٍ عابر.

ولا يخفى على أحد أن هذه الطاقات السلبية معدية، تتسلل إلى النفس دون أن نشعر، فتُثقل الروح، وتُضعف الهمّة، وتسرق من الإنسان قدرته على الاستمرار والبذل والعمل. لذلك، فإن من الحكمة – بل من الواجب – أن نُحسن اختيار مجالسنا، ونبتعد عن أولئك الذين لا يُجيدون إلا الشكوى والنواح.

المتفائلون، على النقيض تمامًا، هم شمس الحياة،أولئك الذين إذا جالستهم، شعرت بأن قلبك انتعش، وبأن الدنيا لا تزال بخير، وبأن الله يُدبّر لنا من الخير ما لا نعلمه،لا يتجاهلون الواقع، ولا يهربون من الحقيقة، لكنهم ينظرون لها بعين مختلفة، يرون النصف الممتلئ من الكوب، ويُحدثونك عن فرصٍ داخل الأزمات، وعن نعمٍ وسط كل تلك الابتلاءات.

ولا شك أن بثّ الأمل هو أحد أشكال العبادة. أن تُطمئن قلبًا، أو تزرع أملًا، أو تُخفف عن نفسٍ أنهكها التعب.. هذا فعل نبيل، له وقع لا يُنسى في القلب والعقل. لذلك، فلنحرص على أن نكون ممن يختارون الكلمات الجميلة، والذكريات الطيبة، وأن نُشارك الأخبار الإيجابية، لا حبًا في التجاهل، بل رغبةً في التوازن، ورعايةً للقلوب المُرهقة.

كم من إنسانٍ لا تنقصه الصحة، ولا المال، لكنّه يُحيط نفسه بمن يُذكّره بكل سيئ، حتى تسربت إليه الكآبة من حيث لا يدري. وكم من آخرٍ يعاني، لكنه يُجالس من يُعينه على الصبر، ويُخبره أن الغد أفضل، فيُصبح أقوى وأكثر رضًا.

علينا أن نتذكر دومًا أن اللسان مفتاح للقلب، وأن الكلمات ليست مجرد حروف، بل طاقة تؤثر فينا سلبًا أو إيجابًا. فلتكن كلماتنا عونًا على الحياة لا عبئًا إضافيًا، ولنتجنّب السلبية المفرطة التي لا تُنتج إلا الوهن.

لا نُطالب بالتغافل عن الواقع، ولا بتجاهل التحديات، لكننا بحاجة لتوازن إنساني يجعلنا نُقاوم الظروف لا أن نستسلم لها، فالأعياد فرصة لأن نُداوي أنفسنا بالكلمة الطيبة، والمجالسة الحسنة، والتفاؤل الذي يصنع المعجزات.

وفي زحام الحياة، يبقى للأمل مكان، وللكلمة اللطيفة أثر، وللذكرى الطيبة حياة، فليكن عيدكم بدايةً لحياةٍ أقل توترًا وأكثر رضا. واجعلوا من كل لقاءٍ فرصة لنشر السرور، لا الهموم، اختر مجلسك كما تختار طعامك، فالروح تتغذى أيضًا، إما بالأمل أو بالألم.