بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

من قلب فيينا.. الدبلوماسية السودانية تقاوم الحرب ومطالبات بخطة إنقاذ شاملة

السفير مجدي مفَضَّل
وكالات -

بين جدران القاعات المهيبة للمؤتمرات الدولية في فيينا، وفي الزوايا التي قلّما تصل إليها الأضواء، تتحرك الدبلوماسية السودانية بهدوء حازم. وفي قلب هذه الحركة، تلعب السفارة السودانية، دورًا مركزيًا في إيصال صوت السودان إلى العالم، وسط واحدة من أكثر الأزمات الإنسانية والسياسية تعقيدًا في تاريخه الحديث.

إحاطات منتظمة… ورسائل إلى الضمير الدولي

في مواجهة الفتور الدولي، تعتمد السفارة نهجًا متصاعدًا في تقديم إحاطات دورية للبعثات الدبلوماسية والمنظمات الأممية، تسلط فيها الضوء على أبعاد المأساة التي يعيشها السودان، خاصة ما يتعلق باستهداف البنية التحتية المدنية والصحية والتعليمية. تقارير تُعرض بالأرقام والصور، لا تكتفي بالتوثيق، بل تحمل مناشدات صريحة لتحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته الأخلاقية والإنسانية.

منابر الأمم المتحدة… ساحات لنقل معاناة الداخل



استثمرت السفارة السودانية مشاركتها في المؤتمرات واللجان المتخصصة التابعة للمنظمات الدولية بفيينا، مثل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، ومنظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية (اليونيدو)، لتحويل كل منبر إلى منصة لفضح الجرائم والانتهاكات، وعرض احتياجات المؤسسات السودانية التي تعرضت للتخريب الممنهج.


في كل من اجتماعات مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ولجنة البرامج والميزانية باليونيدو، ومؤتمر مكافحة الفساد، طرحت البعثة أوراق إحاطة ومذكرات مفصلة حول حجم التدمير الذي طال المؤسسات السودانية، من هيئة الطاقة الذرية إلى مستشفى الأورام بالخرطوم، ومن معامل بحوث الزراعة إلى مراكز مكافحة المخدرات. وهي رسائل تستهدف استنهاض آليات الدعم الفني والتدريب والتجهيزات، تمهيدًا لعملية شاملة لإعادة الإعمار.

دبلوماسية المعارض والندوات الجانبية… السودان في عيون فيينا



لم تكتفِ السفارة بالمداولات الرسمية، بل نظّمت على هامش المؤتمرات معارض وفعاليات جانبية، تضمنت صورًا ومقاطع مصورة توثّق مشاهد التدمير والنهب والاعتداءات على المدنيين. وفي هذه المساحات التفاعلية، تحوّل العمل الدبلوماسي إلى فعل إنساني، حيث يواجه الضمير العالمي حقائق لا يمكن إنكارها أو تجاوزها.


في مؤتمره الصحفي الأخير، رسم السفير مجدي مفَضَّل خريطة الألم السوداني بلغة شفافة، مدعّمة بالحقائق والشهادات. تحدث عن نهب 27 مصنعًا للأدوية، عن المذابح التي وصفتها تقارير أمريكية بأنها جرائم إبادة جماعية، وعن العالم الذي لا يزال يتفرج. لكنه ختم حديثه بدعوة للضمير الحي، قائلاً: “الحل سيأتي من داخل السودان… ولكننا نحتاج من العالم ألا يغض الطرف عن معاناتنا.”

السودان في مقاعد القيادة… رغم العاصفة


ورغم الأزمة، نجحت البعثة السودانية في الفوز بمواقع قيادية داخل عدد من المنظمات الدولية، من بينها رئاسة مجلس التنمية الصناعية باليونيدو، ونائب رئاسة مؤتمر مكافحة الجريمة المنظمة، ولجنة تعزيز الوضع المالي بمكتب مكافحة المخدرات. وهو حضور استثنائي لدولة تخوض حربًا شرسة على الأرض، وتقاتل دبلوماسيًا من أجل مستقبلها.

في الختام… السفارة ليست مجرد مبنى

ما تقوم به البعثة السودانية في فيينا يتجاوز المهام البروتوكولية؛ إنها معركة وجودية تُخاض بالكلمات والمستندات والعلاقات الدولية. معركة دفاع عن تاريخ شعب، وحماية لحقه في البقاء، وأمل في إعادة بناء وطن لم يتوقف عن الحلم رغم الدمار.