الكاتب الصحفى أحمد يوسف يكتب غدًا أحلى... المستأجرون ليسوا متسللين.. هم سكان هذا الوطن الحقيقيون

الجدل المتجدد حول قانون الإيجارات القديمة لم يعد مجرد نقاش قانوني أو اقتصادي، بل أصبح ماراثونًا اجتماعيًا ممتدًا، يشارك فيه الجميع من النواب تحت قبة البرلمان، إلى أصحاب القهاوي على نواصي الحسين، مرورًا بأحفاد الملاك والمستأجرين القدامى.
هذا القانون ليس وليد اللحظة، بل تعود جذوره لعقود طويلة، وكلما اقتربنا من تعديله، ارتفعت الحناجر وتشعبت المواقف واختلطت الأصوات،واللافت أن كل طرف لديه ما يراه "حقًا خالصًا"، فالملاك يطالبون بما يسمونه "استرداد الحقوق"، والمستأجرون يتمسكون بما يرونه "حق البقاء والعيش الكريم".
وبعيدًا عن المزايدات، لدي تجربة واقعية تُلخّص القضية ببساطة: في عام 1972، اشترى أحد الملاك عقارًا مكونًا من أربعة أدوار (ثماني شقق) ودور أرضي على مساحة 150 مترًا بألف جنيه فقط.
الدور الأرضي وحده دفع حتى اليوم أكثر من 180 ألف جنيه إيجارًا، أي ما يعادل ثمن العقار 180 مرة! بل وتم بيع ثلاث شقق من العقار بمليون ونصف جنيه، وقُدّرت الأرض نفسها بمليون آخر، فيما لا تزال خمس شقق مؤجرة بنظام الإيجار القديم. فهل نقول إن المالك لم يستفد؟! بكل تأكيد الاستثمار العقاري كان ولا يزال الأفضل، ولكن يبدو أن أحفاد المالكين يرون أن مبدأ "الربح" لا يكتمل إلا بطرد المستأجر!
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما الذنب الذي اقترفه مستأجر قضى عمره كله في منزل أصبح له فيه جيرة، وتاريخ، وذكريات، وربما " شجرة ليمون " في البلكونة؟
كيف نطالبه اليوم بإخلاء المكان بعد خمس سنوات فقط من التعديل، وكأننا نُحيله إلى "منفى قانوني"؟ وهل وفرت الحكومة البدائل السكنية المناسبة لتلك الفئات؟ أم أن "المزاد العقاري" سيبدأ ولا عزاء لمن لا يملك!
نحن نتحدث عن أحياء عريقة مثل الحُسينية والجمالية وباب الشعرية والسيدة زينب، حيث العائلات هناك لا تسكن فقط، بل " تنتمي "، هؤلاء الناس عاشوا مئات السنين في المكان، وارتبطوا به حتى صارت الشوارع جزءًا من هويتهم.
تخيلوا فقط حجم الضغوط النفسية عندما يُجبر المستأجر على "استرضاء المالك" خشية الطرد، هل نحن بصدد تحويل العلاقة من عقد قانوني إلى علاقة قائمة على التوسل والمجاملة؟ ثم كيف نطالب الشباب بالانتماء ونحن ننزع جذورهم من أرضهم وبيوتهم؟
للأسف، هناك نغمة متسارعة، وسكاكين حامية، ومطالب لا تُراعي الواقع، فهل المطلوب أن ندوس على الطبقة الأوسع من الشعب – التي تمثل أكثر من 80% من المستأجرين – من أجل مطالب فئة تمثل فقط 20%؟ أين العدالة؟ وأين التوازن؟ وأين الحوار المجتمعي الذي يراعي الطرفين دون انحياز؟
أقولها بصدق: أنا لا أملك قصرًا، بل حجرة صغيرة في قلب السيدة زينب... لكنني أملك انتماءً لمكان وشعب وهوية.
أناشد نواب الشعب أن يكونوا رحماء بالرعية، فالمستأجرون ليسوا طارئين ولا متسللين، بل هم سكان هذا الوطن الحقيقيون، الذين دفعوا العمر، لا الإيجار فقط.
ارحموا من في الأرض... يرحمكم من في السماء.
كاتب المقال أحمد يوسف نائب رئيس تحرير جريدة الجمهورية