شباب تونس بين التغيير السياسي وأمل الاستقرار

يمر الشباب التونسي اليوم بواحدة من أكثر الفترات حساسية في تاريخ البلاد المعاصر.
تتجاذبهم رغبة قوية في المساهمة بالتغيير السياسي من جهة، وحنين واضح للاستقرار وبناء حياة آمنة من جهة أخرى.
جيل ما بعد الثورة بات أكثر وعياً بمحيطه، يراقب التحولات ويشارك أحياناً فيها، لكنه أيضاً يواجه تحديات اقتصادية واجتماعية متزايدة.
في هذا المقال نرصد كيف يتفاعل الشباب مع المتغيرات السياسية، وما هي تطلعاتهم وأحلامهم وسط مشهد متقلب وواقع يحمل الكثير من الأسئلة حول المستقبل.
دور الشباب في المشهد السياسي الجديد
يعيش الشباب التونسي اليوم حالة من اليقظة السياسية لا تشبه أي مرحلة سابقة.
لاحظت خلال السنوات الأخيرة انخراطهم الملحوظ في الانتخابات، سواء من خلال التصويت أو حتى الترشح ضمن قوائم شبابية مستقلة.
هذا التحول دفع الأحزاب والمجتمع المدني إلى إعادة النظر في طرق استقطابهم وتفعيل دورهم، خاصة وأن كثيرين منهم يفضلون الحركات الاجتماعية والمبادرات المدنية على العمل الحزبي التقليدي.
رأيت نماذج من الشباب الذين أطلقوا حملات توعية حول قضايا المناخ والحقوق الفردية، وشاركوا في تنظيم احتجاجات سلمية للمطالبة بالإصلاحات، ما أعطى المشهد السياسي طاقة جديدة وحديثة.
التحديات تبقى حاضرة بقوة، فالإحباط من بطء التغيير وصعوبة الحصول على فرص عمل قد يدفع بعضهم للعزوف أو للبحث عن طرق بديلة للتعبير عن رأيهم.
ومع ذلك، لا يمكن تجاهل تأثير المبادرات المدنية التي يقودها الشباب والتي بدأت تترك بصمة واضحة على المجتمع والسياسة المحلية.
للمهتمين بجوانب أخرى من تجربة الجيل الجديد وطرق تعبيره، يمكن زيارة كازينو تونسي لاكتشاف مشاريع ترفيهية حديثة يديرها شباب تونسيون وتبرز جانباً مختلفاً من إبداعهم وطموحاتهم خارج نطاق السياسة التقليدية.
تحديات الشباب بين الطموح والواقع
الشباب التونسي يعيش مفارقة حقيقية بين أحلامه الكبيرة وواقع مليء بالتحديات اليومية.
التوظيف، جودة التعليم، وصعوبة المشاركة السياسية تشكل أبرز العوائق التي تعترض طريقهم.
في المقابل، لا يتردد الكثير من الشباب في البحث عن حلول مبتكرة لتجاوز هذه العقبات، سواء عبر تطوير مهارات جديدة أو الانخراط في مشاريع جماعية ومبادرات محلية.
ما لاحظته شخصياً أن روح التعاون بين الشباب ازدادت مؤخراً، خاصة في الجمعيات والمبادرات التطوعية التي تهدف لتحسين وضعهم.
هذه القدرة على التكيف والإبداع تمنح الأمل لجيل يبحث عن فرص أفضل رغم قسوة الواقع وتقلّب الظروف الاجتماعية والاقتصادية.
البطالة والهجرة: هواجس الجيل الجديد
البطالة ما زالت العائق الأكبر أمام تحقيق طموحات الكثير من شباب تونس.
غالباً ما أسمع عن قصص شباب أنهوا دراستهم الجامعية ليجدوا أنفسهم بلا عمل أو في وظائف مؤقتة تفتقر للأمان والاستقرار.
هذا الإحباط يدفع عدداً متزايداً منهم للتفكير بالهجرة بحثاً عن فرص أفضل خارج البلاد.
لكن الهجرة لا تعني بالضرورة الحل السهل؛ كثير ممن غادروا يواجهون تحديات أخرى تتعلق بالاندماج والاستقرار النفسي والاجتماعي.
في المقابل، ظهرت مبادرات شبابية تشجع على ريادة الأعمال والعمل الحر داخل تونس كبدائل للبحث التقليدي عن وظيفة حكومية أو سفر للخارج.
من الأمثلة التي لفتت انتباهي، حملات توعية حول التدريب المهني ودعم المشاريع الصغيرة الموجهة للشباب الباحثين عن بداية جديدة داخل الوطن بدلاً من الهجرة القسرية.
المشاركة السياسية الفعالة
رغم خيبات الأمل المتكررة، ما زال جزء من الشباب مصمماً على إحداث فرق عبر المشاركة في الحياة السياسية والمدنية.
نلتقي شباباً ينشطون في الأحزاب الجديدة والجمعيات المستقلة وحتى المبادرات الرقمية لنشر الوعي السياسي وتحفيز النقاش العام.
تشير دراسة منشورة في جريدة الصحافة في أكتوبر 2024 إلى استمرار ضعف مشاركة الشباب التونسي في الانتخابات الأخيرة، حيث أظهرت عزوفاً واسعاً عن التصويت والمشاركة السياسية، رغم الجهود الحكومية والمجتمعية لتعزيز انخراطهم في الحياة العامة.
من تجربتي مع بعض الحملات الشبابية، لاحظت وجود إحباط عميق تجاه بطء التغيير وصعوبة إيصال صوتهم لصناع القرار. ومع ذلك هناك إصرار لدى البعض على عدم الاستسلام ومحاولة بناء مساحات تأثير جديدة ولو كانت صغيرة أو محدودة التأثير حالياً مقارنة بتطلعات الجيل الجديد.
الحراك الاجتماعي والثقافي: أدوات التغيير والأمل
طموحات الشباب التونسي لم تتوقف عند حدود السياسة، بل امتدت بقوة إلى ميادين الثقافة والعمل المجتمعي.
أصبح الفعل الثقافي والمبادرات التطوعية منصات حقيقية لصناعة الأمل ودفع التغيير على أرض الواقع.
في السنوات الأخيرة، أظهرت مشاريع الشباب في تونس قدرة لافتة على تحويل الأفكار إلى واقع مؤثر، سواء عبر الفن أو عبر مبادرات اجتماعية جماعية.
المبادرات الثقافية والفنية
برزت حركة ثقافية وفنية يقودها شباب من مختلف الجهات في تونس، حيث أسسوا جمعيات وفرقاً مسرحية ومشاريع موسيقية تفاعلية.
هذه المبادرات توفر للشباب مساحة حرة للتعبير عن الذات والتواصل مع المجتمع عبر أعمال تعكس قضاياهم وأحلامهم اليومية.
مهرجانات الشارع، معارض التصوير، وورش الإبداع باتت جزءاً من المشهد الحضري في العاصمة والمدن الداخلية.
أحد الأمثلة اللافتة التي صادفتها كان معرضاً للفن التشكيلي أقيم بسيدي بوسعيد بمشاركة شابات وشبان عرضوا قصصهم عبر اللوحات.
مثل هذه المساحات تخلق حواراً بين الأجيال وتعزز فكرة أن الفن يمكن أن يكون محركاً للحوار والتغيير الاجتماعي.
العمل التطوعي والمبادرات المجتمعية
الإقبال على العمل التطوعي بين الشباب التونسي أصبح ملحوظاً، خصوصاً مع تنامي الوعي الجماعي بأهمية المساهمة المحلية في تحسين الحياة اليومية.
نرى نماذج متعددة: من حملات النظافة وإعادة التشجير إلى المشاريع البيئية والاجتماعية داخل الأحياء الشعبية والقرى.
مبادرة مدنين الشبابية تعد نموذجاً حياً لهذا الحراك، فقد وثق تقرير دليل المبادرات الشبابية العربية لعام 2023 كيف شارك عشرات المتطوعين من أبناء المنطقة في مشاريع اجتماعية وتنموية تركت أثراً إيجابياً ملموساً.
ما يثير الإعجاب أن العمل التطوعي غالباً ما ينطلق من أفكار بسيطة يتحول بعضها إلى حملات جماهيرية تتبناها البلديات أو القطاع الخاص لاحقاً.
من خلال هذه التجارب، يتأكد للجميع أن الطاقة الشبابية قادرة بالفعل على صناعة تغيير حقيقي في تونس اليوم وغداً.
آفاق الاستقرار: طموحات الشباب بين الواقع والمستقبل
يعيش الشباب التونسي مرحلة دقيقة، إذ يبحث عن معادلة صعبة تجمع بين الأمان الاقتصادي وتحقيق الطموح الشخصي.
وسط تحديات البطالة وتغير سوق العمل، يتجه كثير من الشباب نحو التعليم النوعي وتطوير المهارات التقنية لتأمين مستقبلهم.
في الوقت نفسه، يظهر جيل جديد من رواد الأعمال في مجالات التكنولوجيا والاقتصاد الرقمي، مما يعزز فرص النمو والاستقرار للمجتمع ككل.
التعليم والتدريب: مفاتيح التمكين
بات التعليم بالنسبة للشباب التونسي أكثر من مجرد شهادة جامعية. أصبحت الدورات التدريبية والشهادات المهنية بوابة فعلية للاندماج في سوق العمل الجديد.
الكثيرون يسعون لاكتساب مهارات عملية مثل البرمجة، اللغات الأجنبية، أو التسويق الرقمي لتحقيق استقلال اقتصادي أكبر.
الجامعات والمعاهد الخاصة بدأت توفر برامج مرنة تواكب احتياجات السوق وتمنح الطلاب فرصة التجربة العملية أثناء الدراسة.
أعرف شباباً اختاروا التعليم عن بُعد أو التدريب المكثف على حساب التعليم التقليدي، ونجحوا في العثور على وظائف جيدة داخل تونس وخارجها.
ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي
مشهد الشركات الناشئة التونسية شهد تطوراً سريعاً خلال السنوات الأخيرة، خاصة مع انتشار منصات العمل الحر والدعم الحكومي للمشاريع الرقمية.
ما يميز هذه الفترة هو تحوّل جزء كبير من الشباب إلى الابتكار بدلاً من انتظار الوظيفة الحكومية التقليدية. الكثير منهم أسس مشاريع رقمية صغيرة انطلقت من فضاءات عمل مشتركة أو حتى من مقاهي الأحياء.
الشباب وريادة الأعمال الرقمية: يستعرض تقرير رسمي تونسي لعام 2023 مدى انخراط الشباب في ريادة الأعمال الرقمية، حيث شكلوا شريحة رئيسية في المشروعات الناشئة والتحول الرقمي، مع التركيز على برامج الدعم الحكومي والمبادرات الهادفة لتعزيز الاقتصاد الرقمي وخلق فرص العمل الجديدة.
المبادرات التي أطلقها شباب تونس عززت حضورهم كلاعبين أساسيين في الاقتصاد الحديث وساهمت بشكل ملموس في تعزيز الاستقرار الاجتماعي والاقتصادي للبلاد.
خاتمة: شباب تونس بين الحلم والتحدي
برغم صعوبة الظروف وتعدد التحديات، يتمسك شباب تونس بحقهم في الأمل والعمل من أجل واقع أفضل.
يظهر في مواقفهم اليومية إصرار واضح على تجاوز الإحباط وصناعة الفرص حتى في أصعب اللحظات.
التغيير والاستقرار ليسا خيارين متناقضين بالنسبة لهم، بل مساران يكمل أحدهما الآخر في بناء وطن يليق بطموحاتهم.
كل تجربة نجاح، صغيرة كانت أو كبيرة، تضيف لبنة جديدة لمستقبل أكثر إشراقاً لتونس يقوده أبناؤها الشباب بثقة وعزيمة لا تلين.