بوابة الدولة
بوابة الدولة الاخبارية

محمد الشافعي يكتب : نحارب الإرهابيين.. فمتى نحارب الإرهاب؟

-

يأتى الحادث الإرهابى الحقير الذى ضرب المصلين فى الكنيسة البطرسية بالعباسية.. صباح الأحد الماضى يوم الاحتفال بالمولد النبوى الشريف ليضعنا جميعاً أمام مسئولياتنا فى كيفية الدفاع عن أمن وآمان “الوطن والمواطن”.. وذلك لأننا جميعاً نرتكب خطيئة ترك مواجهة التطرف والإرهاب على كاهل الأمن “القوات المسلحة والشرطة المدنية”.. رغم أن مسئولية هذه المؤسسات تتركز بالأساس فى محاربة “الإرهابيين”، بينما محاربة “الإرهاب” تقع على كاهل العديد من المؤسسات والهيئات الأخرى.. ويأتى فى مقدمتها وزارات الثقافة والتربية والتعليم والتعليم العالى والإعلام “من يقوم بدورها” والشباب.. والمؤسسة الدينية متمثلة فى الأزهر الشريف والكنيسة القبطية ووزارة الأوقاف.. وسوف نحاول أن نتوقف أمام نقاط الضعف والترهل فى أداء هذه الوزارات والمؤسسات ليس بحثا عن “النقد والانتقاد”.. ولكن فى محاولة جادة لوضع هذه المؤسسات على الطريق الصحيح لمحاربة ومقاومة “الإرهاب” كمنظومة فكرية.. قبل أن يتحول إلى فعل إجرامى يقتل الآمنين والبسطاء.. ويمكن أن نلخص ملاحظاتنا فيما يلى:

أولاً: يقوم نظام التعليم فى مصر منذ أربعين سنة على آلية “الحفظ والتلقين” تلك الآلية التى تعمل على تغييب العقل.. وقتل ملكات التفكير والابتكار.. مما يجعل الطالب “عجينة طبيعة بين يدى دعاة الإرهاب والتطرف.. والذين يعتمدون أيضاً على آلية “الحفظ والتلقين”.

ثانياً: أهم رموز وقادة الإرهابيين من خريجى الكليات العلمية والعملية.. وذلك لأن هذه الكليات تقدم “الحقائق المجردة” والتى يجب قبولها كما هى.. نفس آلية المقولات الإرهابية ولذلك فمن الضرورى والحتمى.. إضافة بعض مناهج “العلوم الإنسانية” إلى مناهج هذه الكليات.. ولن نطالب بمناهج مطولة وعميقة.. ولكننا نطالب فقط بمناهج بسيطة فى المدارس الفلسفية.. ومدارس الشعر.. والأدب المقارن.. إلخ.. تلك المناهج التى تقوم على الجدل والرأى والرأى الآخر وكيف يكون اختلاف الرأى مفيداً ومهماً.

ثالثاً: ضرورة التركيز على مواد الهوية فى مناهج التعليم “اللغة العربية - التاريخ - الجغرافيا- الدين”.. والزام كل أنواع التعليم “الدولى - الخاص - العام - الدينى” بتدريس نفس المناهج والتى يجب أن يشرف على تأليفها مجموعة من كبار المفكرين والمتخصصين... لأنها مناهج تعمل على بناء العقل والوجدان.. والأهم أنها تعمل على بناء الانتماء والوطنية.. أما المناهج العلمية والعملية “الفيزياء - الكيمياء - الرياضيات .. إلخ” فيجب أن نأخذها كما هى فى أكثر الدول تقدماً فى مجال التعليم.

رابعاً: تهتم وزارة الشباب بإنشاء مئات بل آلاف الملاعب التى تتكلف مليارات الجنيهات.. وهذا شىء جيد.. ولكنها للأسف لم تهتم بإرسال مكتبة صغيرة تتكلف آلاف الجنيهات فقط مع كل ملعب.. كما تحوى وزارة الشباب إدارة للأنشطة الثقافية تعمل بآليات لجنة السياسات فى الحزب الوطنى البائد.. حيث تقوم بحشد مجموعات من الشباب.. ووضعهم فى قاعات مكيفة ومغلقة للاستماع إلى مجموعة من المحاضرين المكررين.. وربما يكون هؤلاء الشباب هم الأكثر اعتدالا وثقافة.. كما تتعامل هذه الإدارة مع العناوين الأكثر رواجا مثل تجديد الخطاب الدينى انطلاقا من فكرة ثقافة القطيع ليس إلا.. ولم تفكر فى الذهاب إلى الشباب الأكثر احتياجاً.

خامساً: تتسابق المؤسسات الدينية “الأزهر - وزارة الأوقاف - دار الإفتاء” على إقامة المؤتمرات.. وكلها لا تخرج عن عنوان واحد “تجديد الخطاب الدينى” وللأسف فإن تأثير هذه المؤتمرات لا يخرج عن القاعات التى تقام بها..

وذلك لأنها تخاطب جمهوراً نخبوياً على معرفة بكل ما يدور من مناقشات.. وإذا كانت هذه المؤسسات ترغب صادقة فى تجديد الخطاب الدينى.. فعلى الأزهر الشريف أن يدرس بعناية كيف تسلل الإخوان والسلفيون إلى أروقته حتى أصبحوا قادة وعمداء لكليات بالأزهر.. وعليه أن يقوم بعملية مراجعة حقيقية للمناهج وتنقيتها بما لا يتصادم مع ثوابت الدين العظيم.. وبما يتواءم مع روح العصر الذى نعيش فيه.

سادساً: رأينا وسمعنا الرئيس السيسى فى خطابه الأخير.. وهو يعتب على وزير الأوقاف أنه قد “قزم واختزل” دعوته فى تجديد الخطاب الدينى.. من خلال ذلك “الإجراء الأمنى” الذى تلخص فيما سمى “الخطبة الموحدة”.. وعلى وزارة الأوقاف أن تدرس بعناية كيف تدهور وتدنى مستوى غالبية الدعاة الذين يصعدون منبر رسول الله فى المساجد.. حيث يذبحون اللغة العربية ويدوسون فى دمائها.. كما أن غالبيتهم يفتقدون “الثقافة الدينية الحقيقية” والثقافة العامة مما يجعلهم ينتقلون عن الإسرائيليات والروايات الضعيفة والشاذة.. وهذا المستوى المتدنى لدعاة وزارة الأوقاف يؤكد إلى أى مدى تراجع مستوى التعليم فى الأزهر.. ذلك المستوى الذى يمثل الثغرة التى ينفذ منها الإخوان والسلفيون.. وقد رأينا مظاهر العنف والتطرف التى مارسها طلبة الإخوان فى جامعة الأزهر.

سابعاً: أسمع جعجعة ولا أرى طحناً، مقولة تنطبق على أداء وزارة الثقافة منذ عدة سنوات.. حيث اكتفت الوزارة بالمهرجانات والمؤتمرات التى يشارك فيها قلة صغيرة من النخبة والتى لا تجتذب المواطن العادى.. ولا تذهب هى إلى المواطن العادى.. ذلك المواطن الذى يمثل الهدف الحقيقى للثقافة والتنوير وعندما أنشأت ثورة يوليو بقيادة الزعيم جمال عبدالناصر وزارة الثقافة.. كانت الضلع الثالث والأهم فى منظومة مواجهة ومقاومة تطرف الإخوان.. حيث تمت مواجهتهم بالمثلث الذهبى.. شرعية الإنجاز.. العدالة الاجتماعية.. الاستراتيجية واضحة المعالم للثقافة.. تلك الاستراتيجية التى وضعها جمال عبدالناصر شخصياً بالاشتراك مع العظيم د. ثروت عكاشة.

ثامناً: تمثل إذاعة القرآن الكريم إحدى الضربات العبقرية التى وجهها جمال عبدالناصر للتطرف الإخوانى والسلفى.. ولكن للأسف الشديد فقد تسلل الإخوان والسلفيون إلى هذه الإذاعة.. كما تراجعت البرامج الدينية المستنيرة فى تليفزيون وإذاعة الدولة.. وبالتبعية فى كل وسائل الإعلام إلى حد التلاشى والغياب الكامل.

وفى النهاية فإن تقصير كل هذه المؤسسات والهيئات أدى إلى تسرب “المنظومة الفكرية للإرهاب” إلى عقول العديد من شبابنا.. لدرجة جعلت طفلا فى عمر الرابعة عشرة من عمره يذهب إلى داعش فى ليبيا.. ويفرج عنه المشير حفتر لدواع إنسانية ويرسله إلى مصر..

وإذا أردنا أن نقطع الطريق على الإرهاب حتى لا يجند مثل هذا الطفل.. فعلينا أن نضم كل هذه المؤسسات ضمن منظومة نطلق عليها “المجموعة الثقافية” يشرف عليها الرئيس شخصياً.