الكاتب الصحفى .. محمد المصرى يكتب فى شرفة الصحافة كانت لنا أيام

شرفة الصحافة بالبرلمان المصرى .. كانت لنا فيها  أحلى الأيام ، وأجمل الذكريات .. عشتها مع كبار الصحفيين والكتاب والأدباء ، وزملائى وأبنائى  المحررين البرلمانيين تحت القبة .

فهذه الشرفة كانت من أشهر الأماكن فى البرلمان قبل تخصيصها فى بداية برلمان 2016 لصالح النواب بعد أن ضاقت بهم القاعة الرئيسية .

فالجالسون فيها من الصحفيين والأعلاميين  كانوا  يتابعون أعمال المجلس ليلاً ونهاراً.. وعندما تراقبهم من بعيد تلاحظ أن ملامحهم تختلف من وقت لآخر .. فبعضهم تبدو على ملامحه النشاط والحيوية .. والبعض الأخر تظهر عليه علامات التعب والأرهاق والاجهاد .. أما الفريق الثالث فإنه يأتى بإشارات الإستحسان أو الاستياء لكل ما يدور من حوله فى القاعة .. وكثيراً ما كنا  نسمع منهم مناقشات صاخبة تجرى بينهم فى تفسير ما يقوله العضوفلان أو التأكد مما يقوله العضو فلان الفلانى.

فهم ينقلون للناس خارج القاعة كل ما يحدث تحت قبة البرلمان يوماً بيوم ، و ساعة بساعة .. و لحظة بلحظة من خلال ما يكتبونه فى صحفهم أو ينقلونه  لهم عبر وسائل الإعلام المسموعة والمرئية ..أو عن طريق وكالات الأنباء المحلية والعالمية أو صفحات الانترنت.. فهم يرون ويتابعون ويشاهدون كل صغيرة وكبيرة تحت القبة   .. ويجرون وراء كل الاحداث فى لجان المجلس التى تمثل المطبخ البرلمانى الحقيقى.. ويستخدمون كل الفنون الصحفية لتقديم هذه الوجبة البرلمانية للقارئ أو المستمع .. كل حسب إتجاهاته السياسية أو الحزبية أو الصحفية.

وربما لا يعرف الكثيرون منهم أو غيرهم أن أجدادهم  من  كبار الصحفيين  قد خاضوا معارك ساخنة وضارية  فى نهاية القرن 19 ومطلع القرن الماضى استمرت 26 سنة.. منذ عام 1883 وحتى مايو 1909 لكى يسمحوا لهم  بحضور  جلسات مجلس شوري القوانين أو الجمعية العمومية  بعد أن كانت تقتصر فقط على النواب والذين يستصحبونهم  .

وشهد  أول يونية من عام1909 مولد ميلاد المحرر البرلمانى الحقيقى عندما حضر الصحفيون أول جلسة علنية  ورحب بهم رئيس المجلس “البرنس حسين كامل  “ بكلمات بليغة قال فيها : "نرحب بأرباب الصحف فإنهم بإخلاصهم يمكنهم أن يفيدوا الأمة فائدة عظيمة ، ويرقون آدابها وأفكارها ولغتها ، ويدلون الهيئة الحاكمة على مجال النقص لتتدراكها، فهم بهذا يؤدون لها خدمة عظمى يشكرون عليها " .

وأستمرت  التقاليد البرلمانية بالنسبة للصحفيين البرلمانيين منذ أن تم تنظيمها فى عام 1909 فى اللآئحة الداخلية كما هى لم تتغير ..  رغم كل هذه السنيين التى مضت مع اختلاف المسميات .. وبقيت كلمات البرنس حسين كامل باشا التى وجهها إلى  أرباب الصحف هى رسالة الصحافة البرلمانية على مر العصورالمصرية .

و تعاقب على شرفة الصحافة بالبرلمان المصرى  بكل مسمياته طوال هذه السنوات عشرات الأجيال من المحرريين البرلمانيين الذين تركوا بصمات  واضحة فى الصحافة البرلمانية.. كانوا ومازالوا ينقلون للناس كل مايحدث تحت القبة .. وكان على رأسهم أستاذنا الكبير جلال الدين الحمامصى ، ومصطفى أمين ، وموسى صبرى ، ومحمد السيد وإسماعيل يونس، وشيخ المحرريين البرلمانيين وعميدهم  الأستاذ   جلال السيد- متعه الله بالصحة والعافية - الذى تخرج علي يديه مئات المحرريين ، و كان بجواره شريف رياض المحرر البرلمانى  لجريدة الأخبار..  وأول من جلس فى هذه الشرفة من خريجى الدفعة الأولى لكلية الإعلام  - جامعة القاهرة - عام 1975 ..  وغيرهم المئات من الزملاء والزميلات الأعزاء الذين لا يتسع المجال لذكرهم سواء مازالوا معنا تحت القبة  أو الذين  أدوا واجبهم على أكمل وجه.. أو رحلواإلى دارالحق ..  وكان آخرهم الزميل الصديق  قاسم عوض مدير تحرير وكالة انباء الشرق الأوسط  صاحب الخلق الرفيع وتميز بالدقة والاخلاص فى عمله  .ومن قبله جمال يونس من جريدة الوفد ،ورأفت الفقى كبير المراسلين فى التليفزيون المصرى .رحمهم الله جميعا .. وأسكنهم الفردوس الأعلى

عموما ..  إن كل  اللوائح التى صدرت من البرلمانات المصرية  نصت  على تنظيم نشر وإذاعة كل ما يجرى فى البرلمان ..  سواء فى الجلسات العلنية للمجلس أو لجانة عن طريق وسائل الإعلام المختلفة .. وضمان تيسير مهمة ممثلى الصحف او وسائل الإعلام الأخرى.

ومصر منذ أن عرفت الحياة البرلمانية  .. وصدور أول صحيفة مصرية "الوقائع المصرية " والصحافة تقوم بدورها فى نقل كل مايحدث تحت القبة   وفى أروقة البرلمان وتقدمه للقارئ لما يمثله البرلمان من  أهمية كبرى  فى الحياة السياسية  .. لأن الحكومة نفسها تستمد شرعيتها من البرلمان ذاته وهو الذى يوافق على برنامجها . 

ويعتبر التحرير الصحفى البرلمانى من أقدم وأهم  المواد  التى نشرتها الصحف الأولى التى عرفتها البشرية ..فقد تم نقل الجلسات الخاصة بمجلس الشيوخ الرومانى نفسه -السيناتور - .. وكذلك الصحافة الإنجليزية القديمة التي حملت إسما يرتبط بهذه المادة وهى صحيفة  تسمى " ملخص الإجراءات فى البرلمان الحاضر"

 وفى مصر كانت "صحيفة الوقائع المصرية " تنشر  مضبطة مجلسى النواب والشيوخ .. و تصل عدد الصفحات  فى بعض الإحيان إلى 382 صفحة كما حدث فى العدد الذى صدر فى 25 إبريل 1940 وكانت تخصص قسماً عرف بالقسم البرلمانى.

وتطورت الأشكال الفنية فى الصحافة المصرية واحتل التحرير ا لبرلمانى مساحة كبيرة تصل فى بعض الأحيان إلى  صفحة كاملة أو أكثر فى الجريدة أو فى المجلة..   وكان يقوم كبارالصحفيين ورؤساء التحرير بنقل ما يدور فى البرلمان المصرى.. ونشأت وظيفة المحررالبرلمانى وأحيانا القسم البرلمانى .

و الحقيقة إن متابعة جلسات البرلمان متعة  حقيقية للمشاهد.. وهى من أروع مظاهر الديمقراطية وكثير من برلمانات العالم يجرى  بها أحداث خطيرة  ربما  لا يصدقها أحد ..أذكر منها ماحدث فى  البرلمان الأسبانى فى إحدى السنوات  أن مجموعة من الضباط فى البرلمان أطلقوا الرصاص على الأعضاء  لفض الأشتباك بينهم..ولايمكن أن ننسى الاحداث الساخنة  التى وقعت  فى مجلس الشعب فى التسعينيات من القرن الماضى والتى وصلت إلى حد محاولة الأعتداء على وزير الداخلية الأسبق  زكى بدرأثناء رده على الأستجوابات التى قدمت له من المعارضة والمستقلين عن تجاوزات وزارة الداخلية فى ذلك الوقت .. وحاول النائب الوفدى طلعت رسلان الأعتداء عليه وجذبه بيده من كتفه الأيسر فحاول الوزيرالدفاع عن نفسه ..  وذلك بعد هجوم زكى بدر  الضارى على المعارضة والمستقلين ، وفؤاد سراج الدين زعيم الوفد ، وعلى جريدة الوفد وأنها تنشر موضوعات وأخبار مفبركة على حد تعبير الوزير ..   وكان يرأس تحريرها فى ذلك الوقت الصحفى الكبير  مصطفى شردى وكان عضوا فى مجلس الشعب فى نفس الوقت .. وانتهت الأحداث بإسقاط عضوية النائب رسلان فى مارس  1989 .. وعشرات المواقف و الأحداث التى كنت شاهدا عليها تحت القبة .

عموما .. إن الصحفى اليقظ يستطيع أن يقدم إلى  المسرح السياسى وجوهاً جديدة ..  لامعة يرشحها للمناصب القيادية و أن النجاح البرلمانى كان من إحدى دعامات الأختيار فى الحياة الحزبية .

وأظن أن المحررالبرلمانى يعتبر من أكثر المحررين حظاً فى العمل الصحفى .. فهو فى قلب الأحداث.. وشاهداًعليها وقريب