بوابة الدولة
السبت 27 أبريل 2024 12:36 صـ 17 شوال 1445 هـ
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرصالح شلبي
مستشار التحريرمحمود نفادي
بوابة الدولة الاخبارية

كمال ممدوح حمدى يكتب..قادمون من أرض المجاز .. !


    
مرة تلتف بصمتها الأشجار فلا تعود تبوح بشيء, بكلمة مفرغة, تدعي فيها الصدق
أو تحترف الخداع, تبدو وهي في عز نضرتها ميتة, أو كأن غضبة أصابت حظها, فصادرت في
هيئتها وصوتها كل امكانات التلبس بالمعنى.., يقف ازاءها المبدع, الشاعر أو الفنان,
ممتلئا بالغضب والغيظ, يستولى عليه جنونه يمد يده في حشاها بحثا عن حروف مبعثرة
يستجمع فيها أشلاء المعاني فلا يظفر إلا بخيبة الأمل.., لم تعد غصونها إلا أعوادا
جافة, غاية ما يرتجي منها اشتعال بنيران لا تمنح الدفء..

   
ومرة تتبدى بزينتها ومغرياتها تلك الأشجار.. تسحر العين مثلما تشد إليها
الفراشات, تعلن عن رغبة معذبة في الثرثرة باحتشاد المعنى في بطونها, تمنحه بمبادرة
راغبة وتعيده ألف مرة بصياغات جديدة منمقة, تنثرها على قارعة كل ثانية تحدق فيها
عين أو يحط عليها خيال..

   
في أي عالم مجهول كان يختبئ ذلك المعنى حين استعصى, ومن أي الممالك جاء حين
أعطى نفسه طواعية, والأشجار هي الأشجار ذاتها في الحالين؟

 لحظة
.... هل تسمع ما اسمعه الآن ؟  رى.. دو رى
مى  انه لحن فيروز " حبيتك
بالصيف"  نعم  محرف بعض الشىء... بل لحن آخر على غرار اغنية
فيروز ..” COUPABLE  
DETRE “  AIME  مخطىء ان احببت ، لكن من اين
يجىء ؟  ربما هو قادم من هذا الراديو الصغير
فوق المنضدة فى  ركن الغرفة، ستقول ان
الراديو مجرد صورة مرسومة . نعم وطالما بالأمكان رسم شكل الراديو فلأ بأس  ، فلا بأس من رسم صوته ايضا

 علماء النفس ونقاد الفن يردون الأمر إلى المبدع
وحالته, وبالتالي تضاربت الأقوال في تحديد المواقف, ظهر من يقول ان المبدع لا
يحركه إلا جمود الواقع الشحيح وصلابته, ليكون ضمن مهمته اعلان الاحتجاج والرفض, أو
الافصاح عن ضيقه وتبرمه في أقل الحالات, ودعوته إلى تغييره, أو طرح البدائل ان
تراءت له, وظهر من يقول على جانب آخر : "هذا فنان عاشق للطبيعة وعناصرها,
وهذه – أعماله – ترانيم للتغني تعلن جانبا من سعادته.. كذا المبدع لا ينتج إلا حين
يكون في تصالح حميم مع واقعه.. "

   
لجوته كلام معناه, أن الفنان حين يلتقط من الطبيعة موضوعا, يلصقه ويقيده
على سطح لوحة, لا يعود ذلك الموضوع موصولا بالطبيعة أو مستجلبا منها, هذا معناه
أيضا أن الأشياء في الطبيعة, أو في حياتنا المعاشة, مفرغة بطون المعاني فيها من كل
معنى وأن المبدع وحده هو الذي يعيد حشوها بما شاء من المعاني والدلالات.

  
أفلاطون يتحدث عن عالم يكتمل فيه المعنى, عن أن كل الأشياء التي نراها,
مهما أبدعت فيها يد الانسان الذي صاغها, هي صورة من درجة ثالثة لأصلها المثالي في
ذلك العالم, هذا معناه أن الأشياء لا تكتمل أبدا, وان الجمال يظل تواقا إلى
الجمال, وان العلاقات بين الأشياء والناس مهما سمت ورقت تظل مشوبة بنقصان, وان
" المعنى" يبقى مفتقرا إلى "معنى "..!

   
أيكون من هنا ان أدرك المبدع ان معركته مع الواقع معركة فجة وركيكة, وان
حواره يبقى مبتورا ومعلقا في فراغ, طالما انه لا يعود على الواقع أو عليه بشيء؟!

       
الهاربون مؤرقون بخواء المعنى تركوا هذا الوجود المادي وحطوا فوق ساحات
الأحلام, رؤى النوم التي تتشكل بشروط محررة من شروط الواقع, وصور القادم التي لم
تتلبس بعد أي مثول مادي يخضعها لسياق فروا عنه, في أحلام النوم أحكموا قبضتهم على
الأشكال والمعاني وخرجوا بها إلى اليقظة, ليحكموا وثاقها في الفن كي لا تعود،
سلفادو دالي كان واحدا من هؤلاء, ينام وإلى جواره لوحة بيضاء معدة للرسم يقيد
فوقها أحلامه, ويطلق على ساحتها المعنى المستجلب..

   
لكن أشياء الحلم وصوره تحمل معانيها في سياق عالمها وشروطه المحررة, وحين
تخلع على صور الواقع وأشيائه, يحتدم الصدام, ويطالب بتطويع الواقع لاستيعاب
المعنى, أو تطويع المعنى لسكنى الواقع, فلا يسفر الصدام إلا عن مراوغة يجيدها كل
طرف في مواجهة الآخر, أو في فراره عنه..

   
هذا شاعر يقول :  عندما نفضت عيني
الكرى, لم أجد بين ذراعي سواى..! وفي رؤى القادم, أضاع المبدع لحظته الحاضرة, فظلت
بلا معنى, بعد أن عجزت تشكلات مستقبل قد لا يجيء, عاجزة عن التحدث بلسان واقع
يمارس اللحظة كل قوته وسلطانه..

   
والهاربون إلى الذاكرة بحثا عن المعنى الذي تم اعتماده بقوة الزمن وحركة
التاريخ فما عاد بالإمكان استبداله أو تغييره, خزانة كل ما مضى الزاخرة بصورة
أرشيفية لكل ثانية مرت, معبأة بتفاصيل الحياة وأشكالها, وجدوا أن الأشياء والأحداث
قد أعادت ترتيب نفسها بنظام محرر من نظام الزمن, يعطي أولوية للأقوى والأكثر
الحاحا, و يغيب الضعيف والواهن, ويسقط الشوائب والزوائد.. هنا تختلط الأزمنة,
وتتداخل الأماكن, لتكتسب صور الذاكرة معانيها من هذا السياق الجديد, الذي خلط
الزمن والمكان.. وحين يخرج المبدع من أغوار تلك الذاكرة, من ظلمتها السحيقة, ممسكا
بصيده الثمين, فيبسطه قناعا فوق وجوه الأشياء والأشكال في واقعه المعاش, تعجز
الأقنعة عن دس معانيها في جسد الواقع المفرغ من المعنى, يصبح الواقع على نحو ما
تصوره أقنعة الذاكرة واقعا انتقائيا ومختارا, لا تعود تربطه بالواقع المعاش صلة,
ولا يعود مأخوذا عنه, بتعبير جوته..

   
وإذن؟ اعطي الواقع نفسه للمبدع, بأشيائه وعناصره, ببطون المعاني فيها خاوية
من المعنى, ومنته الأحلام بالمصالحة والتفسير لتلوذ بفرار مراوغ عند المواجهة,
وأمدته الذاكرة بأقنعة التحريف والتزييف التي تمده بمعنى ليس فيه, فمن أجل أي شيء
يكابد الفنان, وبأي أرض يودع أعماله لتحفظ لها بقاء مخلدا؟

بدر الديب في روايته " اجازة تفرغ
" يجيب على لسان بطلها حسن على أسئلة تقع من ضمنها هذه الأسئلة.. يقول:
"التعبير عن الشعور والعواطف وتعقيد الشخصيات وجوانب النفس ليس من مهام
الفن.."!, ويقول: ".. الفن وجود مقابل للوجود, مقابل ليس بمعنى مشابه أو
مساير أو محاكي... تتجسد فيه القيمة التي لا يعرفها الوجود.. لا يستمد قيمته من
أنه شبيه منه, بل من أنه الصانع للقيمة فيه.."...

أين يقع ذلك الوجود, الذي يسكنه الفن, والذي
يمنح ساكنيه بقاء أدركه حتى القدماء, تلخص فضاءاتهم كلمات هوراس (65ق.م).. الحياة
قصيرة والفن باق.. Ars longa, Vita brevis

ربما كانت أرضه بغير صفات الأرض التي نتحرك
فوقها, أرضه هي "المجاز", شوارعها هي كل الشوارع التي شكلها الوصف في
الروايات, أو حددتها الألوان في اللوحات, شوارع حتى ان كانت قد أخذت عن الواقع لم
تعد تمت إليه بعد أن دخلت مجاز الفن, وحدائقه لوحات الطبيعة في رسوم الكبار,
وعلاقات الشخوص فيه أحداث القصص, ومشاعرهم مما جرى في عروق قصائد الشعراء, عالم
تزداد كثافته السكانية كلما ازدهر الفن والأدب, فساكنوه هم أبطال الروايات
والقصائد, وبورتريهات الصور, من كل العصور باقون, يتحاور اخيليوس  و أوديسيوس, اللذان سافرا إليه من ملحمتي
هوميروس, مع مكبث وهاملت وعطيل وياجو, الخارجين من نصوص شكسبير, ومع أبطال الرواية
الأخيرة التي أخرجتها المطابع منذ لحظات, يمرضون حين لا نقرأهم إلا لماما,
ويتقافزون بالعافية أن خرجت ترجمة تعيد استدعاءهم..!

   
هذا الوجود بأرض المجاز الذي مرضت فيه ليلى لأننا لا نقرأ قصائد قيس, يملك
بعض المبدعين مفاتيح أبوابه, يختلفون إليه سرا, ويعودون محملين بدعوة لنزع الحدود,
بين أرض الواقع و أرض المجاز.., قصة بطلها يحلم كل ليلة محددة من بداية كل شهر
بفتاة خرافية الجمال تزوره, يحبها في الحلم, وفي نهار حياته يشتري خاتمين, ويقرر
أن يخطبها حين تزوره في حلم الشهر القادم..!, وشاعر يقول: ".. تعالي بحلم,
واحسبها لك جية, و أقولن جيت.. ".., ثم هذه القصيدة التي قرأت ترجمتها مؤخرا,
والتي أفلح فيها الشاعر في أن يزيل الحدود بين أرض الواقع و أرض المجاز, وان يداخل
بينهما..

القصيدة عنوانها "لكي ترسم لوحة
لعصفور" لجاك بريفير ترجمها أحمد درويش, و نشرتها "نوافذ", الدورية
الرائدة, بالغة الأهمية, التي يصدرها نادي جدة الأدبي.., نقرأ في جزء من القصيدة:

ارسم قفصا مفتوح الأبواب

ثم ارسم أشياء جميلة

أشياء بسيطة

مما يعشقه العصفور

علق لوحتك المرسومة في إحدى الشجرات

في وسط حديقة

أو في إحدى الغابات

واختف خلف الشجرة

لا تهمس

لا تتحرك

أحيانا يأتي العصفور سريعا

لكن أيضا

قد تمضي السنوات قبل مجيء العصفور

لا تيأس.. و تمهل

و إذا لزم الأمر.. تمهل بضع سنين

فمجيء العصفور سريعا

لا يعني أن اللوحة حلوة

ومجيء العصفور بطيئا

لا ينقص من قدر اللوحة

حين يجيء العصفور

 إذا
جاء

لاحظ من أعماق الصمت

وتمهل حتى يلج العصفور إلى باب القفص المرسوم

فإذا دخل الباب

فتناول ريشة رسمك

وبكل هدوء

أغلق باب القفص المرسوم

بعد قليل

وبنفس الريشة

أزل الأعمدة المرسومة في القفص

عمودا بعد عمود.....

ثم ارسم فوق اللوحة شجرة واختر أجمل أفرعها

كي يقف العصفور عليه.."

  
اللوحة صورة من أرض المجاز, يذيبها الشاعر ضمن عناصر الطبيعة, والعصفور ضمن
كائنات الطبيعة, يدخله الشاعر أرض المجاز على سطح اللوحة, يمسكه بقفص مرسوم,
ويطلقه بأن يزيل من اللوحة أعواد القفص و أسلاكه, ليصبح محررا, يقف فوق شجرة
مرسومة ويحلق في سماء من ألوان, لأنه كان قد حمل عبر مصيدة القفص المرسوم, من أرض
الواقع إلى أرض المجاز, كلتاهما متجاورتان في نصف المتر الذي تشغله اللوحة.. بويد ويب 
1978م

   وفي اللوحة المنشورة فنان رسم عصفورين, وحين كفا عن الغناء, رسم أمامها نافذة ليطيرا – محررين – عبرها إلى الحدائق أو الغابات, حتى اللحظة لم يطيرا بعد ولكن في رأسيهما القرار, ربما غدا, وفي اللوحة الثانية   ) للفنان   بويد ويب   1978 )زوج و زوجة رسمهما الفنان في فضاء, وحين أنهى لوحته, ترك لهما الفرشاة والألوان, يؤثثان بالألوان بيتهما, فيرسمان المساحات والجدران والأدوات, وحين ينتهيان, قد يخرجان من اللوحة إلى السوق, أو يجلسان في حديقة خارجية سيرسمانها, أو قد يخلدان إلى الراحة, فلا نرى من اللوحة إلا غرفا خالية من الشخوص, وأبوابا نصف مغلقة.. فإن فرغا من العمل, حدق في وجوه من تمر بهم في الشوارع و الأسواق فقد تراهما يحملان طفلا وطفلة..!

إعلامي ومفكر موسوعي

أسعار العملات

متوسط أسعار السوق بالجنيه المصرى24 أبريل 2024

العملة شراء بيع
دولار أمريكى 47.8463 47.9463
يورو 51.1285 51.2498
جنيه إسترلينى 59.5064 59.6356
فرنك سويسرى 52.3253 52.4404
100 ين يابانى 30.8706 30.9371
ريال سعودى 12.7563 12.7836
دينار كويتى 155.3249 155.7001
درهم اماراتى 13.0251 13.0558
اليوان الصينى 6.6030 6.6170

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,531 شراء 3,554
عيار 22 بيع 3,237 شراء 3,258
عيار 21 بيع 3,090 شراء 3,110
عيار 18 بيع 2,649 شراء 2,666
الاونصة بيع 109,827 شراء 110,538
الجنيه الذهب بيع 24,720 شراء 24,880
الكيلو بيع 3,531,429 شراء 3,554,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى