بوابة الدولة
الخميس 25 أبريل 2024 09:34 مـ 16 شوال 1445 هـ
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرصالح شلبي
مستشار التحريرمحمود نفادي
بوابة الدولة الاخبارية

كمال ممدوح حمدى يكتب.. انهمار الممكن.. في أزمنة المحال ..!


   ليس هناك حدث أو فعل دون أن يكون له زمان ومكان
محددان, ودون أن يكون للفعل بطل أو ضحية, ينهض به أو يسقط فيه, تبدو هذه بديهية
بسطية للمتأمل في حركة الحياة, مثلما تبدو بديهية أولية للراغبين في خوض تجربة
معاناة الفن عند التلقي, إذ هو دائما ما يعد نفسه لاكتشاف.. تلك هي محاوره
الأساسية .. فإما أن يكون المبدع راصدا ومعيدا لحدث يروي قصته, أو قابضا على زمن
شغله ذلك الحدث, أو محددا للموقع أو المسرح الذي كان يشهده, أو محللا للسلوك
والأخلاق لشخصية أساسية فيه ..

     في جميع
عصور الفن وفي معظم مدارسه واتجاهاته قد نجد ما يغري المتلقي بالقناعة بهذا
التصور, أعني بتصوره أن إختيار الفنان محصور لا محالة بين محاور القصة أو الشخصية
أو المكان أو الزمان, حيث تمده الرومانتيكية بفيض من قصص التاريخ وأبد من شخوصه,
بكل ما تحمله القصة من إشارات إلى المكان أو الزمان .. تلك هي جان دارك رمزا
للحرية تقود الشعب, وذلك هو ساردانيبال ديلاكروا, على عرشه البابلي, لحظة إدراك
فاجعة هزيمة وشيكة, وهذه هي حكايا الأساطير في زمن ومواقع الأسطورة .. والواقعية
وفرت على ذلك المتلقي عناء التمعن والإكتشاف, فقدمت له الحدث على نحو ما حدث,
والشخوص بهويتهم ومزاجهم, والمواقع في أماكنها من الحياة, والزمن على نحو ما كان
...

     ولكننا هكذا نتقدم خطوة بعد أخرى فوق دروب
خاطئة, إذ نحاول أن نخوض تجربة الفن بشروط تجربة الحياة, أو نقف عند حدود الزعم
بأن الأولى ترديد للثانية أمين ودقيق, كأن الفن صورة للحياة في مرآة غبية وبليدة,
أو كأنه – ببعض من الإنصاف – صياغة معادلة أو مقابلة  تحتذي الحياة ولا تقلدها, عالم آخر يتوازى معها
دون أن يواجهها, يوازي إمتدادا لها الأصح, ويتفوق عليها ثراء ودلالة على الرغم من
أنه – من أوله إلى آخره – نسيج من خيوط الوهم ...!

    أدركت مدرسة
مثل الانطباعية خطورة ذلك الزعم .. أن الصورة التي تنتقل من الحياة إلى سطح لوحة
تسجن الأشياء في جلودها, وتعقد الوجوه على انفعالها الذي لا يتغير, وتستوقف الزمن
على أبد بلا حراك أو إنتهاء, وتسلب عن المكان حقه في التغير والتبدل .. إنها حقيقة
لا "تكرر" حدثا بقصته, ولا شخوصا بشخصيتهم, ولا مكانا بحقيقته, ولا زمنا
بإيقاعه.. هي إدعاء كبير حين تزعم أنها قد أمسكت " بحقيقة " الموضوع أو
المكان أو الزمان, ولهذا ينبغي أن تتواضع في مهمتها, لتأخذ من القصة مشهدا واحدا
من ألف مشهد, ومن المكان مظهرا واحدا من ألف مظهر يتبدل كل لحظة, ومن الزمن لمحة
واحدة تقع بين ثانية وثانية تالية, ومن الوجوه لحظة المباغتة .. كذا قطع
الإنطباعيون علينا استمراء بساطة التصور في أن الفن قد حدد لنفسه محاور الحركة بأن
ينقل إلينا قصة أو يقدم شخصا أو يصور مكانا أو يستعرض زمنا بتأكيد على أن " الحقيقة
" ليست هنا طالما أن كل شيء سائر في الزمان إلى تبدل جديد, وأن مهمة الفنان
أن يفاجئه في لحظة دقيقة لا تتسع لهذا التبدل أن ينال من الأشياء والشخوص أي مأرب
.. إن الشجرة التي نراها اللحظة ليست هي ذاتها في لحظة تالية, ولهذا ينبغي القبض
عليها قبل حلول تلك اللحظة التالية, وإن حظ الفنان من النجاح في الإمساك " بالحقيقة
" الهاربة رهين بسرعته في الأداء وقدرته على التخلي عن ثقافته وخبراته
المعرفية حتى لا تبدل من " انطباع " اللحظة شيئا, بالحذف منه أو الإضافة
إليه. عله ان " يقبض على الأشياء متلبسة 
بزمنها "

وما فعله الأنطباعيون قد ضاعف أمامنا المشكلة, لأن لوحة
الرومانتيكة التي أذهلتنا بمد الزمن من مجرد عصر, كعصر الأسطورة أو عصر تاريخي
معين إلى أبد ممتد بلا إنتهاء (عصر ساردانيبال مثلا ما يزال هو عصره الباقي حتى
هذه اللحظة ونحن نرى لوحته, والثاني من مايو 1808م, أو الثالث من مايو رغم مرور ما
يقرب من مائتي عام )... مساحة العصر التي تمددت إلى أبد في لوحات الرومانتيكية أو
الواقعية قد غدت ثانية ضئيلة عند الإنطباعيين تتمدد إلى ذلك الأبد الذي بلا
إنتهاء, وقد تبدو هذه المفارقة واضحة إذا جاورنا عملا تناول فيه الفنان " الزمن
" كموضوع للوحته مثل " الحصاد " لبرويجيل التي كانت تصور فصل
الصيف, وتحديدا شهر أغسطس, أو " الصيادون فوق الثلوج " لشهر يناير, أو "
يوم كئيب " لشهر فبراير أو غيرها .. إذا جاورناها مع لوحة لأحد فناني
الإنطباعية ترصد لحظة الغروب .. عند الأول  (صيف) أبدى, وعند الآخر (غروب ) أزلي, حشد الأول
في لوحته كل مظاهر الحياة ومختلف أمزجة الأشخاص في ظل حرارة الصيف, واكتفى الآخر
بلون أحمر على جذع شجرة أو أطراف أوراقها.. وفي الحالين ليس للشخوص أو الحقول أو
الأدوات في لوحة برويجيل أهمية إلابقدر إسهامهم في تحديد الزمن, كما أنه ليس لجذع
الشجرة أو أوراقها, أو النهر أو السماء والأشخاص في لوحة انطباعية أهمية إلا بقدر
ما تخلع عليها لحظة

محددة من الزمن من ضوء أو لون ..


ربما أمتعتنا حكاية أسطورية في لوحة تعج بالشخوص أو
الحركة.. " اختطاف هيلينا " على يد بارس أو "اختطاف بنات لوكيبوس
" ,  من قبل كاستور وبوليكس
(الديوسكوري).. أو "ليدا وطائر البجع" 
أو " زيوس و أوروبا" أو " مولد أفروديتا من زبد البحر"
أو غيرها ...

      ربما أمتعتنا في الفن لوحة كهذه قدر ما تمتعنا
في الأدب رواية أو مسرحية, وربما وجدنا تلك المتعة مع سارحة تائهة على شاطئ النهر
في لوحة إنطباعية على نحو ما تمتعنا قصة قصيرة في الأدب, بكل ما يتفجر في زمنها,
اللحظة بالغة التكثيف, من حس ضاقت به اللحظة...

إنما يقودنا فنان آخر مثل فيرمير إلى عالم القصيدة
برؤيته المارقة للزمن .. هو يرى أن لفعل ما زمنه الذي يستوعبه, وأن للفعل التالي
مباشرة زمنا يشغله, وإنما بين زمن الفعل و بين زمن الفعل التالي ثمة زمن ساقط لا
يشغله فعل ما.. وهو يقدم لنا شخوصه داخل ذلك الزمن الساقط : امرأة تمسك بإناء
الماء عند النافذة المفتوحة, مائلا من يدها قليلا بإتجاه وعاء للزرع  .. أحد الفعلين المطروحين أن تبدأ في ري
النبات, والفعل الآخر أن تفرغ من المهمة, وبين الفعلين تقف المرأة فلا نعرف إن
كانت ستقدم بنية ري النبات للتو ستبدأ, أم تتراجع للتو انتهت من ريه, وأخرى امتدت
يدها إلى أوتار آلة موسيقية, لا نعرف هل شدت الوتر وصرخ, أم أنها للتو ستبدأ في
شده حتى يئن .. وأخرى تحيك الملابس, بيدها إبرة لا نعرف هل مررتها من القماش
وانتهت, أم تهتم بغرزها فيه للتو ستبدأ .. لدى فيرمير, العبقري الفذ, مساحة الزمن
أشد ضآلة من مساحة اللحظة عند الإنطباعيين, ضئيلة حد التلاشي أو الغياب, أو كأنها
لحظة منزوعة من زمن آخر بخلاف ما نعرفه من أزمنة الحياة .. في لوحة
الرومانتيكية  الروائية يتجمد الزمن على
بقاء أبدي مقيم, ولكنه يظل مقوسا بإبتداء و إنتهاء معروفين للقصة يعزلان زمنها عن
سياق متواصل للزمن, وفي لوحة الإنطباعية, القصة القصيرة, لا ينجو الزمن اللحظي
العابر من ألم التقويس بين الإبتداء والإنتهاء 
لكينونة المشهد ... ولكن فيرمير يقلب أمامنا إلى الإتجاه المعاكس تلك
الأقواس, ليكون الأول مفتوحا على كل ألماقبل, والثاني مفتوحا على كل ألمابعد, زمن
فني بلغ من الدقة أن اتسعت له المساحة المعدومة بين قوس النهاية لفعل سابق وبين
قوس البداية لفعل قادم, زمن كزمن القصيدة السابح بين ماضي الذاكرة ومستقبل الحلم,
ليس له من المكان موقع, ولا يشغله من الأحداث فعل , ولم يدخله

أو يخرج منه بعد شخص .. وغريب أن ذلك الزمن كلما أمعن في الضآلة والتلاشي, كلما امتلأ بالحركة واتسع لكل إحتمال .

هذا فنان أمريكي أفاد كثيرا من رؤى فيرمير يقدم لنا "
سيدة وقيثارة "  (1886م), ذائبة في
ليل لا يبدو من ظلمته شيء يشغلنا عن إنفجار الضوء على وجهها وصدرها ويديها, أغمضت
عينها حتى لا يكون حظها من الرؤية أكبر من حظنا, مثلنا لا ترى شيئا .. يدها اليمنى
تشير حركة الأصابع فيها إلى أنها كانت قد شدت وترا وصرخ, وتشير في الوقت ذاته إلى
أنها للتو تهم بشدة, و إغماض العينين إشارة إلى إسترجاع التأهب و الإستذكار قبل أن
تبدأ, أو إلى إسترجاع المراجعة بعد أن أتمت العزف كله ... هو يقدمها لنا بين قوسين
حقيقيين متظاهرين, يسبقها قوس إنتهاء ويلحقها قوس إبتداء , وحركة في الخطوط شبيهة
بالأقواس في جسد القيثارة وصدر المرأة حتى لا يغيب عنا القصد ... إذا كانت لم تبدأ
بعد فلنصبر قليلا حتى تسمعنا, و إن كانت قد فرغت فالذاكرة كفيلة بالإعادة, الآن
ونحن نستعيد معها, لا يشغلنا اللحظة أن تكون مهمومة تريد أن تتخلص من ألم الحزن
حين تستودعه قيثارتها, أو حالمة تستجير بالآلة أن تشق في الذاكرة دربا تعود فوقه
الذكريات, كلا الإحتمالين, بكل ما يسبقهما في الماضي بإتجاه آخر, وارد ومحتمل,
وكلاهما مدعوم بيقين رغم وقوعهما قبل و بعد هذا الزمن المعدوم الذي تجلس في غمارة
سيدة الممكن ...

    رؤية فلسفية تصدم فينا بساطة التصور للزمن كموضوع ضمن الحكاية والمكان الشخوص, إذا أغرتنا ببعض من القناعة فقد قربتنا كثيرا من روح الفن, ولكننا لا ينبغي أن نطمئن إلى أننا قد أمسكنا بتلك الروح, ففهمنا للزمان والمكان والأحداث والشخوص, لا يمثل من اجتراء الفن إلا جانب (الموضوع), ويبقى على الجانب الآخر قضية (الذات), ذات الفنان وذات الفن ...!

إعلامي ومفكر موسوعي

أسعار العملات

متوسط أسعار السوق بالجنيه المصرى24 أبريل 2024

العملة شراء بيع
دولار أمريكى 47.8463 47.9463
يورو 51.1285 51.2498
جنيه إسترلينى 59.5064 59.6356
فرنك سويسرى 52.3253 52.4404
100 ين يابانى 30.8706 30.9371
ريال سعودى 12.7563 12.7836
دينار كويتى 155.3249 155.7001
درهم اماراتى 13.0251 13.0558
اليوان الصينى 6.6030 6.6170

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,531 شراء 3,554
عيار 22 بيع 3,237 شراء 3,258
عيار 21 بيع 3,090 شراء 3,110
عيار 18 بيع 2,649 شراء 2,666
الاونصة بيع 109,827 شراء 110,538
الجنيه الذهب بيع 24,720 شراء 24,880
الكيلو بيع 3,531,429 شراء 3,554,286
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى