بوابة الدولة
الجمعة 29 مارس 2024 03:19 صـ 19 رمضان 1445 هـ
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرصالح شلبي
مستشار التحريرمحمود نفادي
بوابة الدولة الاخبارية

كمال ممدوح حمدي يكتب جوستاف كوربيه:و الحكم بالبراءة .. بعد الموت

قاطعا الحجارة, للفنان جوستاف كوربيه, 1849م, واللوحة فقدت خلال الحرب العالمية الثانية

في السجن,
اوشكت حياته على نهاية فاجعة, فلم ينقذه إلا المرض, الذي دفع بسجانيه إلى نقله
لاحد المصحات, ليواجه مصيراً أشد بؤساً ..

مثل كثير من
الفنانين قبله وبعده, كان كوربيه ضجراً بالدراسة التقليدية منصرفاً عنها, وهو ما
خيب فيه أمل اسرته الريفية البسيطة في أورنان بفرنسا, حتى نصحه المدرسون ان يتجه
إلى الرسم .. لقد ظل الأب يحلم كثيراً ان يصبح هذا الابن, بين ثلاث بنات, أحد
المحامين المشهورين, وهى نفس الامنية التي خيبها بعده ادجار ديجا حين رفض دراسة
القانون واتجه إلى الرسم.

هل كان بوسع
جوستاف كوربيه ان يدافع عن نفسه لو انه انصاع لرغبة الاسرة في دراسة القانون؟ وهل
هناك من دافع عن البسطاء والمطحونين والفلاحين افضل من كوربيه, وعبر أداة صدمت
المجتمع الفرنسي وهزت الذوق الارستقراطي هزاً عنيفاً ؟

في تلك الفترة
كان النموذج الفني المطروح تحليق في آفاق وأجواء الاساطير القديمة, أو استلهام
لمادة التاريخ وشخوصه البارزين لتمجيدهم ولا فكاك من هذين المجالين إلا باستغراق
مع تهويمات الاحلام, شرط أن تكون معطرة بنفحات الرومانسية المحلقة .. وكان جوستاف
كوربيه يرى ان ذلك هروب جبان عن واقع مرير ..

استغل كوربيه جلسة
الالتقاط لديه, والتي تكاد تتفوق على أجهزة التصوير الفوتوغرافي, لدراسة دقائق
أحوال البسطاء, فعايش الفلاحين وقاطعي الاحجار والمشردين, ووجد ان هؤلاء هم الأجدر
باحتلال مواقع البطولة في لوحاته ...

لم يكن يصورهم تصويراً فوتوغرافياً كما هو, ولم يكن يصورهم على نحو ما تمنى لهم, ولكنه كان يحرص على تصوير الدلالة في مفردات حياتهم, والدفع بها إلى واجهة اللوحة, لتكون صادمة للعين في أول النظر, ومؤسية للقلب في آخره, ومحركة للعقل بهذا الالحاح المتوالى لوحة بعد أخرى.

قبل ذلك بقرنين
كان برويجل ورمبرانت, في هولندا قد ارتادا محاولة مماثلة .. نزل برويجل بالاسطورة
من عليائها إلى مجرد وحدة ضئيلة "موتيف" وسط الحقول أو بين الفلاحين
والصيادين, تكاد لا تبين, كما كان رمبرانت قد حرص في رسم الشخصيات ان يخرج داخلها
النفسي إلى السطح, وفي رسم الموضوعات ان يفعمها بلوذعيته الساخرة ..

ولكن ما حدث في
هولندا لم تكن فرنسا, احد الورثة الشرعيين للتراث الاغريقي والروماني, لتقبله حتى
بعد انقضاء قرنين, ترسخ عبرهما هذا الاتجاه .. وهنا أحكام صارمة تسمح بمرور الفنان
أو احتجازه, يسهر عليها حكام قساة للصالون – تلك البوابة الرئيسية في فرنسا لمرور
الفنان إلى مواجهة العامة ..

كان كوربيه
يقول ان على المرء ان يعرف أولا لحساب من يعمل؟ وان يكون قادراً على ترجمة عصره
كما يراه بكل عاداته وتقاليده, والا تحجب عنه المظاهر حقيقة ما يدب فيه, أو ينخر
في قواه ..

وكان الناس حين
يريدون النيل منه يصفونه بالفنان الواقعي, الذي لا يرى شاعرية الجمال والخيال, تلف
الطبقة الارستقراطية من كل جانب, وتقدم واجهة مرسومة بألوان زاعقة, وكأن هذه هى حياة
المجتمع بأسره.

في ذلك الوقت
كان الصغير ادجار ديجا لا يتردد ان يقول انه خدع في كتاب مثل كورني وراسين وغيرهما
من الكلاسيكيين, وانه اكتشف روعة فلوبير في تصويره لواقع الحياة في مجتمع يعرفه,
وكان كوربيه يقول أنا لم أر شخصية من شخصيات الاساطير بعيني فكيف أصورها لهم, وكان
ديلاكروا يثني كل الثناء على لوحات كوربيه, وعلى طرف آخر كان الصالون يأخذ بوصية
المصور ميسونيه, ويرفض عرض لوحات كوربيه! فقد كانت لوحته "الدفن في
اورنان" تثير حفيظة ذلك المجتمع المخملي الناعم الذي تعود السباحة في الفضاء
مع تهويمات الاسطورة, فإذا كوربيه يصدمه باستدعائه إلى قريته "اورنان"
ليرى مشهداً ينفر منه استرخاؤه, ووجد ان في ذلك العمل اجتراءاً من كوربيه على جرح
جمال الحياة الناعس وكأن الموت بين الفقراء لا صلة له بهم. رفض الصالون أعمال
كوربيه, مثلما رفض له لوحة "المرسم" التي اثنى عليها ديلاكروا, ووصف
محكموه كوربيه بأنه لا يعرف كيف يكون جاداً, كما علقوا على لوحته
"المستحمات" بأنه لا يفهم شيئاً عن المرأة ..

وطبيعي ان
يتحول هذا الرفض الارستقراطي لكوربيه إلى انتصار شعبي, ربما تنبأ به شاعر مثل
بودلير, أو رسام كبير مثل انجر, وتحقق هذا الانتصار الشعبي عندما نفذ كوربيه إلى
الصالون عام 1866م .. واعتبر رسام مثل مانيه وبودين أن هذا الانتصار يتوج طموحهما,
فقد مر مانيه بنفس الاصطدام مع الصالون بلوحته "الجلوس على العشب"
1863م, ولاقى من السخرية ما لاقاه كوربيه ..

وجاءت فرصة
نادرة لكوربيه, رائد الواقعية, الذي استهدفته الألسنة بكل الافتراءات أكثر من ربع
قرن عندما دفعت الهزيمة التي مُنيت بها حكومة الامبراطور نابليون الثالث إلى
اضطهاد الكادحين بكل الظلم والجور, وانذرت المجاعات بموت معجل, فاستولى على الحكم
عدد من الثوار لمدة ثلاثة شهور اختاروا اثناءها كوربيه ممثلاً للشعب, ورئيساً
عاماً لمجلس الفنون, وعندما سقطت هذه الحكومة كان كوربيه أول الذين استقبلتهم
السجون.

بعد فترة طويلة
قضاها في السجن سمح له بممارسة في الركن من أركانه, وكانت الذاكرة وحدها هى منبع
المشاهد التي صورها لما تبقى فيها من صور الواقع, حتى استبد به المرض, وشارف على
الموت ..

وفي تلك الفترة
خرجت لوحات كوربيه حاملة لأسماك ميتة كقاسم مشترك .. فقد كان يرى في عيني السمكة
الجامدتين علاقة بروحه السجينة في انتظار الموت ..

نقل إلى احدى
المصحات, واجريت له عملية جراحية قضت على ما تبقى فيه من رمق فاخرج عن بقاياه, ليفر
إلى منفى اختياري في سويسرا, وتصادر الحكومة كل ممتلكاته ولوحاته وتبيعها بأبخس
الأثمان ..

مات كوربيه في آخر يوم من عام 1877 ( 31 ديسمبر ) ودفن في منفاه إلى ان جاء عام 1919م وبعد مرور مائة عام كاملة على مولده, ليخرج اعتراف رسمي وشعبي بعبقرية كوربيه, وريادته الفنية, واعتباره رمزاً وطنياً, فحملت رفاته إلى قريته, لتوارى في الأرض التي عشقها ودفع لها كل حياته علامة حب.

مفكر وإعلامي مصري

أسعار العملات

متوسط أسعار السوق بالجنيه المصرى28 مارس 2024

العملة شراء بيع
دولار أمريكى 47.3471 47.4471
يورو 51.0734 51.2002
جنيه إسترلينى 59.7332 59.8925
فرنك سويسرى 52.2653 52.3988
100 ين يابانى 31.2749 31.3431
ريال سعودى 12.6232 12.6516
دينار كويتى 153.8444 154.2194
درهم اماراتى 12.8916 12.9224
اليوان الصينى 6.5494 6.5639

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,497 شراء 3,531
عيار 22 بيع 3,206 شراء 3,237
عيار 21 بيع 3,060 شراء 3,090
عيار 18 بيع 2,623 شراء 2,649
الاونصة بيع 108,761 شراء 109,827
الجنيه الذهب بيع 24,480 شراء 24,720
الكيلو بيع 3,497,143 شراء 3,531,429
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى