بوابة الدولة
الثلاثاء 23 أبريل 2024 09:12 صـ 14 شوال 1445 هـ
رئيس مجلس الإدارة ورئيس التحريرصالح شلبي
مستشار التحريرمحمود نفادي
بوابة الدولة الاخبارية

المختار العسري يكتب.. الفن بين الجمــال و الالتزام


 عرف الإنسان الفن مند فجر التاريخ، واستخدمه في طقوسه وعباداته، وفي التعبير عن أفراحه وأحزانه، فأبدعت الإنسانية آثارا عظيمة ما تزال شاهدة على مدى تقدمه ورقيه. ويعتبر الفن من المقاييس التي يمكن اعتمادها لقياس تقدم كل أمة من الأمم. فالأمة التي تتميز بقدر كبير من التقدم، أمة يعلو فيها قدر الفن والفنان ويعامل معاملة تليق بما يقدمه من إبداع و عطاء، وإنتاج للجمال.

  • فما الفن؟ وما علاقتة بالجمال؟ ومتى يكون الفن ملتزما وبناء؟

الفن مصطلح شاسع
يتردد كثيرا على مسامعنا، تستعمله العديد من الحقول، حتى بات زئبقيا
تتداخل مع معناه معان عديدة؛ الكثير منها لا يمت للفن بصلة. وقد عمق تطور الحياة
من إشكالية معنى الفن، فصار المصطلح يتردد على كل الألسن وأصبحنا نسمع بفن المطبخ،
فن الخياطة، فن الحب و قيادة السيارة...الخ.

لكن السؤال يظل قائما
ما المقصود بالفن؟ يجيبنا الدكتور زكريا إبراهيم :" لو رجعنا إلى الأصل
الاشتقاقي لكلمة "الفن"
Techné) باليونانية وArs
باللاتينية) لوجدنا أن هذه الكلمة لم تكن تعني سوى النشاط الصناعي النافع بصفة
عامة، فلم يكن لفظ "الفن" عند اليونانين مثلا قاصرا على الشعر و النحت و
الموسيقى و الغناء وغيرها من الفنون الجميلة، بل كان يشمل أيضا الكثير من الصناعات
المهنية كالنجارة والحدادة والبناء وغيرها من مظاهر الإنتاج الصناعي "1.

   يعتبر الفن من بين الوسائل التي استعملها الإنسان للتعبير عن عالمه ووجوده، وقد مارسه في البداية بصورة عفوية لاشعورية دون وعي بقواعده، ومع تطور الحياة صار الفن من ضرورياتها. وهو أحد مميزات الوجود الإنساني. ومهما اختلفنا في تعريف الفن فإنه يبقى هو المعرفة والقدرة والعادة النامية أو تعلم القدرة بشكل مجرد، وهو جزء من الثقافة التنويرية التي تقتضي العلم والمعرفة بالعمل. والفن عكس الطبيعة وهو كل ما صنع من لدن الإنسان.

 إن  "الفن
ينقلنا من الضعف إلى القوة ومن الجهل إلى المعرفة، من عالم الخضوع و الاستسلام إلى
عالم الوعي و الحرية، و به تتحقق ذاتية الإنسان، فالعالم لا معنى له إلا بما ينجزه
وما يضفيه الإنسان إليه، فالإنسان مدين بوجوده في العالم لإبداعاته، وليس العمل الفني
إلا إبداعا إنسانيا يمثل أداة الإنسان لفهم العالم ورؤية الواقع"2.

فالفنان يخلق عالمه الخاص به، يقول أندريه ماريو:     "
الفن لا يعكس طريقة جديدة في رؤية العالم، وإنما يعيد خلق العالم."3
لذلك
فالعالم الإنساني ما هو إلا انبثاق لروئ وأفكار الفنان الذي "هو ذلك الشخص
الذي يفرض على العالم شكلا فنيا منظما، وصورة معقولة ومنسقة ليحقق الرغبة في
الحصول على تمثل موحد ومنسجم للعالم، كأن الإنسان لا يستطيع أن يرى العالم إلا بإعادة  خلقه لعالم أخر يختلف عن عالمنا نحن، معلنا
تمرده على هذا العالم الذي يضيق الفنان به ذرعا" 4

  • الفن وانتاج الجمال:

   يحدد
علماء الجمال معنى الفن بربطه بالجمال وإنتاجه للشعور بالمتعة واللذة أواللهو
واللعب، خالصا من أي هدف أو رغبة أخرى، وهو ما يؤكده معجم "لالاند الفلسفي"5الذي
جعل لكلمة فن معنيين:

  • المعنى الأول: عام ويفيد مجموع العمليات المستخدمة للوصول إلى نتيجة
    معينة.
  • -        
     المعنى الثاني: جمالي "استيطيقي" يصير الفن من خلاله كل إنتاج
    للجمال ويتحقق في أعمال يقوم بها موجود واع أو متصف بالشعور.

أما "سنتيانا" فيؤكد في كتابه "الإحساس بالجمال" أن
هناك علاقة بين مفهوم الفن ومفهوم الجمال ما دامت الفنون الجميلة إنما هي في
صميمها ضروب من الإنتاج الذي تولد آثارا جمالية.

وعموما فالفن مظهر من مظاهر الجمال التي يتجلى من خلالها، ولكن الفن
ليس هو الجمال، إذ قد يوجد الفن ولا يوجد الجمال فيه، إما لطبيعة ذلك العمل الفني
الذي ربما كان تصويرًا للقبح، وربما لأن الفنان قد طغى عليه الجانب الفني، ولم
يراعي الجمال

  • الفن والالتزام.
  • "إن كل فنان ينتج الجمال فهو ملتزم بالضرورة، لذا فان إنتاج الجمال قادر على بناء العالم، إذ لا يمكن لأي فن إلا أن يكون بناء."  انطونيو نيڭري

 هل يمكن أن يتخلى الفن عن
رسالته ويتجرد من هدفه، وهل هو كما زعم كانط "غاية في ذاته" وهل يصح
الفصل بين الشكل الجمالي و القصد الرسالي؟*

"إن إقرار
الفلاسفة بحصول متعة شعورية ووجدانية لدي المتأمل في الجميل يمثل اعترافا ضمنيا
بالمنفعة اللذية أو منفعة الاستمتاع، بوصفها أولى المنافع التي تفضي إليها مباشرة
الموضوع الجمالي بالإدراك والتلقي."6
وإذا ما تأملنا ما كتب في الموضوع لا شك أننا سنقف على إجماع كثير من
أعلام الفكر الفلسفي على البعد الوظيفي للفن. "فقد زعم أفلاطونPlaton إن للتراجيديا وظيفة خلقية تتمثل
في التطهير، ووظيفة معرفية تتمثل في عرض الحقائق الفلسفية (...) أشار هيجل
Hegel إلى ما يمثل مذهب أرسطوAristote مؤكدا
أن تهديب الأخلاق يمثل هدف الفن، وان الهدف النهائي للفن هو كشف الحقيقية. وعرض في
هذا السياق وظيفة الجميل في تصور الكاتب الألماني كارل فريدريك روموهر. و خلاصتها
إبهاج النظر وتحفيز النفس وإمتاع الروح؛ إذ للجمال الملازم لخواص الأشياء تأثير
حسي ومعرفي (...)فالأثر الحسي الذي يراد للجميل أن يحدثه لدى المتلقي تحقيقا
للمتعة البصرية هدف فني. وكذلك ينتفي ابتداء، القول بكون الفن غاية في ذاته لا صلة
له بالأغراض. يتقرر هذا بما انتهى إليه شوبنهور
Schopenhauer من أن
الفن وسيلة يقصد منها إبلاغ ما يمتلكه الفنان من أفكار إلى المتلقي، وبما ذهب إليه
الشاعر و الفيلسوف الأمريكي سانتيانا
Santillana،
تأكيدا على أن العمل الفني الجيد نموذج للعقل و الحياة ..."7

 وعموما
فالفن بناء جمالي رسالي يقصد صاحبه منه تحقيق وظيفتي الإمتاع و الانتفاع. "الفن
مسكون بالقلق والفنان كائن ثوري، يعيش الحياة ويعبر عنها ويتجاوز حدودها الصارمة و
هو الإنسان الذي يرى أكثر من اللازم وهو المسكون دائما بالحركة والتغيير والمشغول
دائما بالإبداع والتجديد،"8

وهنا لا بد أن ننتقل
للحديث عن الفنان الحقيقي، المنتج للجمال، من هو الفنان؟ هل هو شخص عادي كبقية
الناس؟ أم هو متميز عنهم بصفات ومواصفات خاصة؟ هل له حياته الخاصة، وسلوكه الخاص و
أجواؤه الخاصة؟ أهو عادي كبقية خلق الله؟

 "يجيبنا الفيلسوف "يونغ" الذي
يرى أن "للفنان حياة سوية كغيره من الناس "لكنه يستدرك فيضيف مؤكدا بأن
" الشخص المبدع لا بد أن يحمل في أعماق نفسه ثنائية حادة تعبر عن تناقض
القدرات الكامنة فيه فهو من ناحية موجود بشري يملك حياة شخصية ولكنه من ناحية أخرى،
عملية إبداعية لا شخصية.(...) ومن بين أهم مقومات شخصية الفنان وأبرز خصائصه هي
القدرة الخالصة لديه على التخييل وجمع الرؤى وخلق الجديد المتميز من الفن. إن أبرز
سمة للفنان هي ملكة المخيلة المبدعة وخلق الصور الفنية الجديدة التي ينعكس فيها
الواقع بصورة مؤولة.

ومن كل ما سبق
نستنتج إن للفنان الحقيقي رسالة أو مهمة يجب أن يؤديها في الحياة. فالفنانون هم
الباحثون عن القيم ،وهم مكتشفون لا يهدأون إلا حينما تطأ أقدامهم أرض ميناء جديد. لأن
للفنان رسالة على غاية الأهمية سواء على صعيد الفرد وتربيته فنيا وجماليا وتقديم
المعارف الجديدة له عن الحياة أم على صعيد المجتمع الذي يشكل الفرد أساسه، و لكي
يتكامل دور الفنان ويتأكد تأثيره لا بد له من قضية نبيلة يعمل من أجلها ويدافع
عنها، وبلغة فنية صحيحة، واضحة ومؤثرة، و جميلة في آن معا"9

خلاصة القول:

 " إن إنتاج الجمال هو شأن ثوري بالضرورة، فالفن الملتزم ليس فنا يدافع
عن عقيدة سياسية أو أيديولوجية، بل هو كل فن قادر على أن يمنح الجمال للعالم، حيت
أن كل فنان ينتج الجمال فهو
ملتزم بالضرورة، لذا فان إنتاج الجمال قادر على بناء العالم، إذ لا يمكن لأي فن
إلا أن يكون بناء. "

************

  -1 زكريا إبراهيم: مشكلة الفن، ص8، مكتبة مصر، بدون تاريخ
وبدون طبعة

  -2عبد الرحمان التليلي: حاجة الإنسان إلى تمثل العالم،ص23،
مجلة عالم الفكر، روى العالم، المجلد 40، 3يناير-مارس، 2012

 3 -   André Malraux: Les voix du silence,chap :la
Création Artistique ,Paris les Belle lettre 1954, p:49

  -4 عبد الرحمان التليلي: حاجة الإنسان إلى تمثل العالم،
مرجع سابق، ص24

  5- أندريه لالاند: موسوعة لالاند
الفلسفية، تعريب خالج أحمد امين ،المجلد الاول A-G ص95-96،منشورات عويدات بيروت، الطبعة الثانية2001

*  نستعير تساؤل عبد الجبار البودالي، مقال الفن بين المتعة والرسالة، عالم الفكر،العدد3
المجلد40 يناير-مارس2012

 6- عبد الجبار البودالي: مقال الفن بين المتعة والرسالة،
عالم الفكر، العدد3 المجلد  40يناير- مارس2012،
ص159

  7- عبد الجبار البودالي: مقال الفن بين المتعة والرسالة
،مرجع سابق، ص159-160

  8- المرجع نفسه، ص165

  9- محمد شاهين ملهية، الفن والفنان، مجلة المعرفة،
العدد رقم540،1 سبتمبر2008،ص102-109

المراجــع بالعربية :

  • زكريا إبراهيم: مشكلة الفن ،مكتبة مصر، بدون طبعة او تاريخ
  • عبد الرحمان التليلي: مجلة عالم الفكر، روى العالم، المجلد 40 ،3يناير-
    مارس، 2012
  • أندريه لالاند: موسوعة لالاند الفلسفية، تعريب خالج أحمد امين، المجلد
    الاول A-G ص95-96، منشورات عويدات بيروت، الطبعة
    الثانية2001
  •  عبد الجبار البودالي: مقال
    الفن بين المتعة والرسالة، عالم الفكر، العدد3 المجلد  40يناير- مارس2012
  • محمد شاهين ملهية: الفن والفنان، مجلة المعرفة، العدد
    رقم540،1سبتمبر2008
  • رمضان الصباغ: الفن و القيم الجمالية، دار الوفاء لدنيا الطباعة
    والنشر، الطبعة الاولى2001
  • شاكر عبد الحميد: التفضيل الجمالي،عالم المعرفة،عدد267،مارس2001
  • إرنيست فيشر: ضرورة الفن، ترجمة أسعد حليم، مكتبة الأسرة1998
  • جورجسانتيانا: الاحساس بالجمال، ترجمة محمد مصطفى بدوي، مكتبة الأسرة
    2001
  • مارك : ما الجمالية، ترجمة شربل داغر، المنظمة العربية للترجمة، الطبعة
    الأولى، نيسان (أبريل)2001
  • جميل صليبا: المعجم الفلسفي ،الجزء الأول، دار الكتاب اللبناني1986م[1]

المراجع بالفرنسية

  • André Malraux:
    Les voix du silence,chap :la Création Artistique ,Paris les Belle lettre 1954



المختار العسري

باحث في المسرح وفنون الفرجة/ المغرب

أسعار العملات

متوسط أسعار السوق بالجنيه المصرى22 أبريل 2024

العملة شراء بيع
دولار أمريكى 48.1037 48.2037
يورو 51.1872 51.3032
جنيه إسترلينى 59.2686 59.4111
فرنك سويسرى 52.7974 52.9304
100 ين يابانى 31.0888 31.1595
ريال سعودى 12.8239 12.8516
دينار كويتى 156.0087 156.3837
درهم اماراتى 13.0969 13.1252
اليوان الصينى 6.6405 6.6546

أسعار الذهب

متوسط سعر الذهب اليوم بالصاغة بالجنيه المصري
الوحدة والعيار الأسعار بالجنيه المصري
عيار 24 بيع 3,577 شراء 3,600
عيار 22 بيع 3,279 شراء 3,300
عيار 21 بيع 3,130 شراء 3,150
عيار 18 بيع 2,683 شراء 2,700
الاونصة بيع 111,249 شراء 111,960
الجنيه الذهب بيع 25,040 شراء 25,200
الكيلو بيع 3,577,143 شراء 3,600,000
سعر الذهب بمحلات الصاغة تختلف بين منطقة وأخرى