الدكتورة حنان فتحى تكتب ” لبوابة الدولة الاخبارية ” الابادة الرواندية والذاكرة المجتمعية

ربع قرن من المأساة الانسانية التى عاشها الشعب الرواندى خلال الحرب الاهلية التى اندلعت فى منتصف التسعينيات وتحديدا عام 1994، إذ شهدت هذه الحرب واحدة من أبشع صور الابادة الجماعية فى التاريخ الانسانى، حيث راح ضحية الحرب 800 الف مواطن روندى معظمهم من أقلية التوتسي في كيجالي عاصمة رواندا.

وحتى لا ينسى الجميع هذه الفاجعة الانسانية، احيت روندا ذكرى تلك المأساة بمشاركة العديد من الوفود الدولية والقادة الأفارقة، حيث قام الرئيس الرواندى "بول كاجامي" بوضع إكليلا من الزهور عند نصب جيسزوي حيث ترقد جثامين أكثر من ربع مليون شخص. كما شارك المسئولون الروانديون في مسيرة شعبية امتدت من البرلمان إلى الإستاد الوطني حيث تضاء الشموع ليلا تخليدا لذكرى الضحايا.

والحقيقة أن احياء مثل هذه المآسى وإن كانت تجدد الالام والذكريات المؤلمة إلا أنها تدق ناقوس الخطر وتجعل الذاكرة الشعبية والمجتمعية حاضرة دوما بشأن ما افرزته تلك المأساة من تداعيات خطيرة على المستويات كافة بشريا وامنيا ومجتمعيا ووطنيا، حيث مثلت نقطة انطلاق للشعب الروندى الذى أدرك حجم ما اقدم عليه حينما تم تغيب الانتماء الوطنى فى سبيل اعلاء انتماءات قبلية او دينية او مذهبية او عرقية، الامر الذى يدخل الجميع فى دوامة من العنف والقتل والارهاب تضيع فيها الحقوق وتذهق الارواح وتهدم البيوت ويقضى على الحياة فى تلك البقعة من الارض.

 ولعل ما حققته رواندا اليوم من تقدم اقتصادى مشهود واستقرار سياسى يؤكد على أن الذاكرة يجب ان تظل شاحذة بمثل هذه المآسى والذكريات المؤلمة كدروس وعبر للتاريخ حتى لا تتكرر ذات الاخطاء، حيث تحتل رواندا اليوم موقع الريادة على مستوى القارة الإفريقية في مجال الثورة الرقمية وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، إذ توفر الإنترنت مجاناً داخل منظومة المواصلات العامة وسيارات الأجرة، وفي مؤسسات القطاع الصحي، وضمن معظم المباني التجارية والخدمية، كما أنها من الدول الرائدة في توظيف التكنولوجيا الحديثة في المجال الاقتصادي على مستوى إفريقيا، وقد أعادت بناء البنية التحتية لتدعم نمو القطاع الخاص وترسخ ثقافة ريادة الأعمال وتشجّع انطلاق الأفكار المبتكرة والمشاريع الناشئة وتعزز من مكانة المرأة.