دكتور عبد الحميد كمال يكتب .. 55 عاماً حرب 67 - التحديدات والدروس
مع ذكري 5 يونية تابعت باهتمام الحلقة النقاشية التى اقامها المجلس المصري للشئون الخارجية برئاسة السفير منير زهران حول " حرب 1967 " والدروس المستفادة التى حضرها بالمشاركة بالحوار الهادئ والجاد الموضوعي والموثق نخبة ممتازة من اعضاء المجلس المصري وعدد من ضيوفه من الخبراء العسكريين والدبلوماسيين واساتذة العلوم السياسية وبعض الباحثين والصحفيين المرموقين.
وقد خلصت الحلقة النقاشية عدد من الدروس المستفادة حول الاسباب الداخلية والخارجية للحرب واسباب هزيمة يونية 1967 وقد اتسمت الاستخلاصات بالوطنية والشجاعة والرأي الواضح.
والان بعد مرور 55 عاماً على تلك الحرب نتسأل :-
• هل تم تدارج الدروس والاستخلاصات من تلك الحلقة النقاشية والعمل عليها على ارض الواقع ؟؟
• وهل تم الاستفادة من المقالات والابحاث وبعض الكتب التى تحدثت عن هزيمة يونيو ؟؟
أننا فى حاجه ماسة وضرورية لتحويل التوصيات والدروس الى ارض الواقع من اجل سلامة الوطن فى ظل متغيرات دولية واقليمية متسارعة حده وخطيرة لها علاقة بامن بلادنا .
خصوصاً وأن اثار هزيمة يونية كانت لها اثر فى نفوسنا بشكل مباشر نحن ابناء السويس والقناة وسيناء ، عندما كنا صغيرين فى سن الطفولة عام ١٩٦٧ خرجنا للشوارع فى السويس فى الأيام الأولى لشهر يونيو نحيى جنودنا المصريين فوق الدبابات والمدافع والعربات المدرعة حاملين أسلحتهم الشخصية إلى سيناء عن طريق معبر منطقة الجناين من أجل الحرب والانتصار على إسرائيل، حيث خرج الرجال والنساء والشباب والشيوخ ونحن الأطفال فى فرحة كبيرة تحملها الثقة فى الانتصار على العدو الإسرائيلي، وبلغت حماسة الشباب إلى الكتابة بألوان البوية الزرقاء والسوداء على حوائط منازلنا بحى الأربعين عبارات «النصر والويل للمعتدين» و« يا قائدنا يا حبيب بكرة ندخل تل أبيب» كان ذلك مع الأناشيد الحماسية والبيانات الرسمية الذى كان يذاع من الراديو.
بعدها بأيام كانت الصدمة والصورة العكسية، حيث رجع بعض الجنود المصريين إلى السويس مصابين وفى حالة اعياء وارهاق وتعب مع انكسار.
وهنا تجلت روح الشعب المصرى فى السويس حيث فتحت البيوت والمطاعم والمحلات والمقاهى لاستقبال جنودنا العائدين، حيث تقديم الطعام والدواء وبعض الملابس فى صورة تلقائية حانية من أبناء السويس والذين جادوا بما يملكون فى استقبال أبنائهم من القوات المسلحة.
وسجلت السويس ملحمة رائعة ووطنية بإعلان واقعى معنوى ضد الهزيمة وكانت الوقفة الاولى للإعلان عن رفض الهزيمة.
وهنا سجل الشاعر فؤاد قاعود اللقطة الوطنية لشعب السويس فى أبهى قصائده العميقة بعنوان «الشعب» قال فيها:
لما رجع جيش البلد م الحرب
ميل على صدر السويس ضمته
طلعوا الرجال والنسوة والأطفال
واتفتحت كل البيوت فى الحال
وفى الشدايد القلوب تشتد
ولا صاحب المطعم رضى ياخد فلوس من حد
وصاحب الكناتين
لجل الشرف والدين
بحتر سجايره وهبة للتدخين
بقلب راضى والدموع سايلة
وقال لهم الهمة يا رجالة
وكل شدة تهون
وكل شعب يكون على ده الحالة
النصر له مضمون.
كما خرجت السويس عن بكرة أبيها مثل كل المدن والقرى المصرية، ترفض الهزيمة يومى ٩-١٠ يونيو تعلن رفضها الاستقالة التى تقدم بها الرئيس جمال عبدالناصر بإعلان مسئوليته عن الهزيمة.
بعدها كتب الأبنودى رائعته:
يا بيوت السويس يا بيوت مدينتي
استشهد تحتك وتعيشى انتي
تلك الأغنية التى غناها محمد حمام وأصبحت نشيدًا لأبناء السويس والوطن.
كما أكد الكابتن غزالى ابن السويس إعلانه برفض الهزيمة بأغنيته الشهيرة:
فات الكتير يا بلدنا ما بقاش إلا القليل
وإن كان على الأرض هنحميها
وإن كان على بيوتنا هنبنيها
وعضم اخواتنا نلمه نلمه
نسنه نسنه نعمل منه مدافع وندافع
ونجيب النصر هدية لمصر
ومن خلال فرقة أولاد الأرض انطلقت أغانى المقاومة الشعبية وكان أعضاء الفرقة يلبسون الكاكى «ملابس القوات المسلحة».
ودفعت السويس الثمن وفاتورة الصمود حينما تم تدمير ٨٠ ٪ من البيوت والمنازل وفقًا لتقدير لجنة حصر الخسائر، وقد أكد ذلك الرئيس السادات حينما شاهد السويس المدمرة من طائرته الخاصة بعد حرب نصر أكتوبر ووصفها بأنها مدينة «الأشباح» بسبب حجم التدمير.
ولقد خرجت من السويس أفضل الصفحات الوطنية، حيث استمر كفاحها من هزيمة يونيو مرورًا بحرب الاستنزاف بصفحات ناصعة من المقاومة الشعبية التى تجلت بهزيمة العدو أمام منطقة المثلث والأربعين وحوارى السويس وشوارعها بتدمير دبابات العدو وإلحاق الهزائم به ورفض كسر انتصارات أكتوبر بمحاولة خبيثة لاحتلال السويس لكسر إرادة الشعب والجيش المصرى، حيث كانت الخطة الإسرائيلية احتلال السويس، لتكون مثل الجولان فى سوريا ولكن هيهات.
واليوم ونحن نستلهم من هزيمة ٥ يونيو ١٩٦٧ وبمرور 55 عامًا على تلك البطولات فإن السويس وشعبها يتطلعان إلى المشاريع التنموية المستحقة لها منها:
• مشروع إنشاء مطار السويس الدولى.
• إنشاء ترسانة رأس الأدبية.
• إنشاء مدينة السويس الجديدة فى سيناء شرق السويس.
• تشغيل ميناء بورتوفيق المعطل للركاب.
• مواجهة مشكلات البطالة التى يعانى منها شبابها.
• تطهير وتطوير منطقة عيون موسى سياحيًا.
• إنشاء متحف السويس الوطنى وصمود السويس ضد العدو الإسرائيلى ليكون الذاكرة الخصبة لكل ابناء الوطن.
والسويس أخيرا تحتاج إلى فيلم سينمائى مثل فيلم « الممر » ومسلسل « الاختيار » ومن قبل فيلم « أغنية على الممر » ليسجل البطولة الجماعية لشعب السويس البطل ومن أجل إحياء الذاكرة الوطنية وازدهار الانتماء الوطنى ومن ٥ يونيو الهزيمة قد ولد الانتصار للشعب المصري.
كاتب المقال دكتور عبد الحميد كمال الحاصل على درجة الماجستير فى العلوم السياسية بتقدير امتياز..والبرلمانى القديرالسابق عن محافظة السويس